إنّهُ النّور في نفقِ العتمة، لا تستطيع إلا أن تُطيلَ وتُطيلَ التّحديق بصفاوة و جلاء ووضوح أفكاره، فتعشق تبصره ورؤيته. إنه العقل المتبصر، الفطن، النّفاذ، آتاه اللّه من بين بني البشر بهذه الموهبة التي تأتي عُصارتها بإيمان متميز، مُحال أن يفهمه، أو أن يتمكن منه كائناً من كان… إنّه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، سماحة الشيخ د.سامي أبي المنى..
كل من يبادله الحديث لسان حاله يتوقف عند عظمة هذا الفكر النّير، ففي أقبية الذاكرة تستوقفك مواقف الشّهامة والرجولة والأصالة والنخوة.. كيف لا وهو الذي كان متواجداً ليدافع عن المستضعفين، المُعسرين.. وهو الثّري بأفكاره، والموسر بالحكمة، والمتملّك بالحنكة.. هو الناطق بكلام الله، والقلب الواعي بمحبته، فمن سلك مسلك سماحته علمَ بأنه استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه.
ما جاء به سماحته لخير هذه الطائفة، ولمصلحة هذا البلد ما جاء به أحد غيره، فهو المصمم وحتى الرمق الأخير و باللحم الحي بأن يبقى مدافعاً شرساً عن حق كل شخص، وعليه شرّع أبواب دار طائفة الموحدين الدروز لتكون منطلقاً لخطة شاملة تحمل في طيّاتها دعوةً للجم التدهور الاقتصادي المخيف، والمواجهة الفاعلة للتحديات الوجودية والمصيرية الداخلية والخارجية وللولاءات المتضاربة التي تهدِّد اللبنانيين. وعليه، وانطلاقاً من الغيرة على الوطن، وتيمّناً بالحكمة، والإتّزان، والحصافة، احتضن سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز د. سامي أبي المنى اللقاء التشاوري المنبثق عن ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار وشبكة الأمان للسلم الأهلي” لإطلاق النداء الوطني تحت عنوان:”أولويات الرؤية الوطنية في مواجهة التحديات”، وذلك بحضور نخبة من شخصيات دينية وسياسية واجتماعية وثقافية عديدة، فشارك إلى جانب شيخ العقل رئيس اللقاء التشاوري سماحة السيد علي فضل الله، والأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب المحامي عمر زين، ووزير التربية عباس الحلبي، والنائب ملحم خلف، النائب السابق د. عصام نعمان، الشيخ د. هشام خليفة، والمطران بولس مطر والنائب البطريركي لأبرشية بيروت للسريان الكاثوليك ورئيس اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي المطران شارل مراد وغيرهم من رجال الدين والمثقفين..
سماحته رفع سقف الخطاب؛ كيف لا وهو المؤتمن على أصوات من لا صوت لهم، وهو الذي وجّه الكلام نحو الجرح تماماً، فمن هذه الدار الكريمة الجامعة، قال سماحته:” كم نحن بحاجةٍ إلى رؤية وطنيةٍ معمَّقة وموحَّدة تنطلق من فلسفة وجود لبنان وروحية الدين وتجارب التاريخ الحلوة والمرّة، وقد أكّد الملتقى مراراً على أهمية الاستفادة من غنى التنوُّع الثقافي والديني، وأطلق المبادرة تلو المبادرة في هذا الاتِّجاه”، داعياً إلى صَوغ تلك الرؤية الوطنية بالاستناد إلى أسسٍ إيمانية أخلاقية روحية متينة، نرسِّخُها في عقول أبنائنا وقلوبهم، لتكون سلاحاً لهم في مواجهة عواصف التحديات على اختلاف عناوينِها، ودرعاً منيعةً للتخفيف من مضاعفاتِها، وقوَّةً معنويةً قادرةً على تصويب مسار الإصلاح المُرتجى”.
ومن موقع مسؤوليته أبى سماحته إلا أن يختم على الجرح، معلناً عن ورشة وطنية جامعة، لصون حقوق اللبنانيين، فحكمته هي كالنسيم الذي يتنفسه كل إنسان، فهي اخلاقيه وانسانيه , منذ تولده، فبذكائه المتألق , وعطفه , وتأثيره الساحر في حياة من خالطه وجالسه.. وكونه موضع ثقة صحبه ومجتمعه مذ كان فتى وهو يبذل من روحه ويجود بحبه للدفاع عن الحق، حافظاً الإسلام الحقيقي بصورة بسطام بن قيس الشجاع، ومن هنا قال سماحته خلال اللّقاء:” على تلك العناوين المطروحة تلاقينا ونتلاقى معاً، كرؤساءَ روحيين، مؤكِّدينَ على مسؤوليتنا الروحيةِ والأخلاقيةِ المنبثقة من رسالة الدين الإنسانية التي تدعو إلى حفظ كرامة الإنسان وصون المجتمع، وندعو معاً، وكلٌّ من موقعِه الوطنيِّ والثقافيّ والروحي، إلى الحوار البنَّاء والتعارف والتكامل، وإلى التعالي عن تفاصيل المسائل الشائكة والمعقَّدة داخلياً وخارجياً، والتلاقي على المبادئ الوطنية المشتركة، ونَحثُّ المسؤولين على إيجاد سُبُلِ التعافي الممكنة بدافعٍ من ضمائرهم أوّلاً، وهم يرَون، بدون أدنى شك، ما نرى من خطر حصول الانهيار التامّ وفشل الدولة، وليكُن شعارُنا في هذه المرحلة الحسَّاسة من تاريخِنا: “الحيادُ عن كلِّ ما يُفرِّق والانحيازُ إلى كلّ ما يجمع”.
ملفتٌ هذا العقل، وهذا الفكر، فهو أمر يستحق أن نقف عنده ونتساءل عن حكمته.. فماذا نستطيع القول عن رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل،ولم يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله..فهو كضوء النهار إن حجبت عنه عينا واحدة أدركته عيون كثيرة……..