
في ضواحي منطقة ود رملي شمالي العاصمة السودانية الخرطوم، يكافح السكان في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أثاث وأدوات منزلية بعدما غمرت مياه الفيضان المنازل والساحات والمزارع جراء ارتفاع قياسي في مناسيب نهر النيل.
وود رملي، هي واحدة من مناطق واسعة اجتاحتها مياه الفيضان في ست ولايات سودانية نتيجة عدة عوامل متزامنة، أبرزها، وفق وزارة الري والموارد المائية في السودان، تصريف مياه بحيرة سد النهضة الإثيوبي، الذي افتتحته أديس أبابا رسميا في 9 سبتمبر الماضي، والتغيرات المناخية.
وقبل ثلاثة أيام اندفعت مياه النيل في ود رملي، بعد أن انهارت أجزاء من الترس الترابي لتغمر الأزقة والبيوت والساحات، ليستيقظ السكان على وقع الكارثة.
فقد تمددت مياه النيل إلى منازل ومزارع وحقول المنطقة، ما دفع السكان إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أثاث وأدوات منزلية. فيما ارتفعت أصوات الأطفال بالبكاء، واختلطت بصرخات رجالٍ يطلبون النجدة أو يشيرون إلى منازل آيلة للسقوط.
وبينما وقف رجال في هذه المنطقة على حافة جسر ترابي يفصلهم عن مجرى النهر، يراقبون بقلق حركة المياه، وهي ما تزال تندفع باتجاه اليابسة، واصل الشباب محاولات يائسة لمنع تمدد المياه أكثر من خلال تدعيم الجسور الترابية.
ويعاني سكان ود رملي منذ العام 2019 من فيضانات متكررة، وفق السوداني هيثم سليمان.
وقال سليمان، وهو أحد أعيان المنطقة، لوكالة أنباء ((شينخوا)) “إن هذا العام الضرر كبير، الضرر كامل سواء في المباني أو الثروة الحيوانية أو المحاصيل الزراعية”.
وبدأ الأمر في ود رملي عندما انهار سد ترابي كان يشكل حاجزا أمام تدفق المياه، ما أسفر عن غمر عدد كبير من المنازل والمزارع، وفق السوداني مصطفي بشري.
وقال بشري، وهو من سكان المنطقة إنها “ما تزال مليئة بالأسر، هناك نساء وأطفال وكبار السن، وهناك محاصيل تلفت وحقول تدمرت”.
من جهته، أكد علي مبروك، وهو أحد سكان ود رملي “أن الفيضان هذا العام كبير جدا، منطقة ود رملي كلها تدمرت، وتم تهجير المواطنين في ظل ظروف صعبة ومعاناة كبيرة”.
وقال مبروك لـ((شينخوا)) “إن أكثر ما يقلقني ليس الأثاث ولا الطعام، بل المكان الذي سنأوي إليه مع الصغار، نحن الآن نبيت في العراء على أطراف القرية”.
وبجانب ود رملي، تضررت مناطق واسعة في الخرطوم بسبب الفيضانات، من أبرزها محليات شمال الخرطوم بحري، جبل أولياء، ام درمان الكبري، وفق وزارة الزراعة والري السودانية.
وبلغت مناسيب الأنهار مرحلة الفيضانات في خمس ولايات أخرى بجانب الخرطوم، هي النيل الأزرق وسنار والجزيرة، ونهر النيل والنيل الأبيض.
ودعت وزارة الزراعة والري السودانية في بيان الأربعاء جميع المواطنين على ضفاف نهر النيل إلى إجراء ما يلزم لحماية ممتلكاتهم وأرواحهم.
ففي ولاية الجزيرة بوسط السودان، تضرر 1764 فدانا زراعيا كانت مزروعة بالخضروات والفواكه بمياه الفيضانات، بحسب مدير الزراعة مبارك عبد الرحمن يعقوب.
فيما سجلت منطقة حجر العسل في ولاية نهر النيل، ارتفاعا كبيرا في المناسيب، بحسب ناشطين بالمنطقة، واجتاحت الفيضانات قرية (ناوا) شمالي مدينة دنقلا عاصمة الولاية الشمالية، وفق شهود عيان.
وفي ولاية سنار بوسط السودان، اتخذت إدارة خزان سنار إجراءات بهدف تقليل آثار الفيضانات.
وقال مدير الخزان محمد الحاج محمد سند، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام محلية “إن الإدارة تعاملت مع التدفقات المرتفعة عبر تنفيذ تفريغ جزئي للبحيرة، بهدف حماية المناطق المنخفضة الواقعة خلفها من الغرق”.
ونشر ناشطون مقاطع فيديو لفيضانات في مناطق من ولاية النيل الأبيض وسط السودان.
وعزت وزارة الري والموارد المائية في السودان في بيان رسمي مؤخرا الفيضانات والارتفاع القياسي لمناسيب النيل والأنهار الفرعية في البلاد إلى تزامن عدة عوامل، أبرزها تصريف مياه بحيرة سد النهضة في إثيوبيا، بجانب التغيرات المناخية وتأخر موسم الأمطار الذي امتد حتى شهر أكتوبر.
وبدأت عملية تصريف المياه من سد النهضة في 10 سبتمبر 2025، ووصلت إلى أعلى معدل يومي بلغ 750 مليون متر مكعب، وهو ما أثر بشكل مباشر على الأنماط الهيدرولوجية لمناسيب المياه في السودان، خاصة في المناطق الواقعة على ضفاف النيل الأزرق، وفق الوزارة.
وافتتحت أديس أبابا مشروع سد النهضة رسميا، في 9 سبتمبر الماضي، وسط اعتراضات من دولتي المصب، مصر والسودان، والمطالبة باتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات تشغيل السد، بما لا يضرّ بمصالحهما المائية.
وأرجع خبراء ارتفاع مناسيب النيل هذا العام إلى عدة عوامل، أبرزها الأمطار الغزيرة في الهضبة الإثيوبية، والتغيرات المناخية، وحذروا من ضعف التروس الترابية.
وقال خبير البيئة والمناخ بالسودان عبد العظيم حركة، لـ((شينخوا)) إن غزارة الأمطار في الهضبة الإثيوبية، وتأثيرات التغييرات المناخية يشكلان العامل الأبرز لفيضانات السودان هذا العام.
وأضاف حركة “منذ نحو 5 أعوام يشهد السودان موجة جامحة من الفيضانات والأمطار والسيول بسبب تأثر البلاد بعوامل التغييرات المناخية”.
فيما قال خبير الموارد المائية بالسودان سامي عبد الرحيم “إن المشكلة ليست في ارتفاع المناسيب وحده، بل في البنية الضعيفة للحماية، لابد من خطط عاجلة لإعادة بناء التروس بطرق هندسية حديثة، مع توفير أنظمة إنذار مبكر للسكان”.
وتابع أن عدة مناطق شمالي مدينة الخرطوم، ومنها منطقة ود رملي ظلت تتعرض لفيضانات سنوية بسبب طبيعتها المنخفضة.
وأكد عبد الرحيم “أن هذه المناطق تاريخيا كانت ممرّا لفيضانات النيل، ومن دون سدود صغيرة أو مصدات دائمة، ستبقى مهددة كل عام”.
وعرف السودان عبر تاريخه الحديث سلسلة من الفيضانات الكبيرة، لكن فيضان 2020 يبقى الأكثر كارثية، حيث أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص وتشريد مئات الآلاف، إضافة إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.
ويعاني السودان في الفترة ما بين يونيو إلى أكتوبر من كل عام من فيضانات وأمطار تودي بحياة العشرات وتلحق أضرارا بالمنازل والحقول الزراعية، نظرا لضعف البنية التحتية التي تعرضت للتدمير في النزاع القائم في البلاد.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربا خلفت عشرات آلاف القتلى وملايين النازحين داخل وخارج البلاد.
“شينخوا”