
شكّل قرار الهيئة الاتّهامية في جبل لبنان، بإخلاء سبيل رئيس مجلس إدارة كازينو لبنان رولان خوري، وجميع الموقوفين في قضية تشغيل القمار والمراهنات الرياضية إلكترونياً، محطّة بارزة في الملف المفتوح منذ أكثر من شهرين، وفتح الباب أمام مرحلة مختلفة عمّا سبقها.
فقد أخلت الهيئة سبيل خوري، وبقية الموقوفين لقاء كفالة مالية مع منعهم من السفر، إذ بلغت قيمة الكفالة لكل موقوف 20 مليار ليرة. وأتى القرار بعد ثلاثة اجتماعات عقدتها الهيئة في أثناء الأسبوعين الماضيين برئاسة القاضي فادي العريضي.
ورغم أنّ الهيئة لا تزال تدرس الملف تمهيداً لإصدار قرارها الاتّهامي النهائي، إلا أنّ خطوة إخلاء السبيل توحي بأنّ القرار المنتظر لن يكون أشدّ من القرار الظنّي الذي أصدره قاضي التحقيق في جبل لبنان طارق بو نصّار.
وبمعنى أوضح، يُرجَّح أن يتّجه القرار الاتّهامي النهائي إلى تكريس توصيف الجرائم كجنحية لا جنائية، ما ينقل الملف إلى القاضي المنفرد الجزائي. وبذلك، يُحاكَم المتّهمون وهم طلقاء، بانتظار الحكم النهائي.
النقطة المحورية في مسار الملف تكمن في أنّ قرار إخلاء السبيل أعطى انطباعاً واضحاً بأنّ الهيئة الاتّهامية، بعد مراجعة أوّلية للملف، لم تجدْ ما يبرّر التعاطي معه كقضية جنائية.
وهذا ما يضعف الأسس التي استندت إليها القاضية دورا الخازن، التي أشرفت على التحقيق الأوّلي بصفتها مدّعياً عامّاً مالياً بالوكالة، حين صنّفت الملف جنائياً وادّعت على رولان خوري، بجناية اختلاس الأموال إلى جانب مجموعة من التّهم الجنحية، كالإهمال الوظيفي، هدر المال العام، تبييض الأموال والإثراء غير المشروع.
وبعد وصول الملف إلى بو نصّار، لإصدار قراره الظنّي، لم يتبيّن له أنّ هناك فعلاً جنائياً، وأسقط تهمة الاختلاس، ومعها حوالي نصف التّهم التي وجّهتها الخازن إلى خوري.
من المرجح أن تقرّر الهيئة الاتّهامية التعامل مع الملف على أنه جنحي لا جنائي
ومن ثم أحيل الملف إلى محكمة الاستئناف في جبل لبنان، التي بدورها استأنفت القرار الظنّي ولم تصادق عليه، فانتقل إلى مرجعية قضائية أعلى هي الهيئة الاتّهامية، للبتّ فيه.
وجاءت الإشارة الأولى من الهيئة الاتّهامية عبر قرارها أمس، بإخلاء السبيل، ما يعزّز الانطباع بأنّ الملف لا ينطوي على عناصر جنائية جدّية. بخلاف مقاربة الخازن، التي وسّعت دائرة الادّعاء إلى حدّ شمل موادّ قانونية لا تنطبق على حال خوري ولا على سائر الموقوفين.
خلاصة القول، يمكن اعتبار أنّ ملف تشغيل كازينو لبنان لألعاب الميسر والمراهنات الرياضية عبر الإنترنت يسلك اليوم مساراً أكثر طبيعية، يُؤمل أن يقود إلى تفعيل آليات المحاسبة عمّا شاب هذا القطاع من ارتكابات أو إهمال أو أخطاء أدّت إلى هدر المال العام، سواء من قبل إدارة الكازينو أو الشركة المشغلة «OSS» أو أصحاب الصالات المتعاملين معه، أو أي طرف آخر يظهره التحقيق، بعيداً عن الكيدية أو الاستغلال أو التّسييس بما يخدم مصالح جهات تسعى إلى السيطرة على الكازينو، أو على قطاع الميسر والمراهنات الإلكترونية.
منذ فتح الملف قضائياً، اتّخذ مساره طابعاً استغلالياً، وجرى تسخير الإعلام والرأي العام في هذا الاتّجاه، وأُوكل إلى جهات قضائية وأمنيّة مطواعة وغير مؤهّلة للتعامل مع ملف بهذا الحجم والتشعّب، ولها مصلحة في الظهور بمظهر مَن حقّق إنجازاً مهنيّاً. واليوم يُنتظر أن تكون عملية إعادة الملف إلى حجمه الطبيعي قد بدأت، إذ إنّ ذلك وحده يشكّل مدخلاً حقيقياً لأي إصلاح إن كان هذا هو الهدف فعلاً.
“الجريدة نيوز”