
قد يطرق باب حياتنا أشخاص لم نكن نتخيّل لقاؤهم يومًا، بلا موعد مُسبق ولا معرفة سابقة، بلا قرابة دم أو صلة جيرة، بل محض صدفة خالصة. وهؤلاء الأشخاص الذين نلتقيهم صدفة يتركون أثرًا أعمق من كثيرين ممن ورثناهم بفعل القرابة أو الجيرة.وهنا يكمن الفرق في الحرية والاختيار الطبيعي. فالعلاقة التي تنشأ بالصدفة غالبًا ما تقوم على الانسجام والتفاهم والدعم المتبادل، بعيدًا عن الواجبات الاجتماعية أو التقاليد المفروضة. نحن نختارهم لأننا نرتاح لهم، لا لأننا مضطرون للارتباط بهم، وهنا يظهر الإحساس بالراحة النفسية والدعم العاطفي الحقيقي . واهمية هؤلاء تكمن في ما يقوله الرب : “لِأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ. وَوَيْلٌ لِمَنْ هُوَ وَحْدَهُ إِنْ وَقَعَ، إِذْ لَيْسَ ثَانٍ لِيُقِيمَهُ”.(اَلْجَامِعَةِ ٤:١٠ )
بدورها ، تشير معظم الدراسات الحديثة في علم النفس إلى أن “الأصدقاء المختارين” يوفرون مصدرًا أقوى للدعم النفسي، لأن الثقة والتواصل يكونان نابعين من رغبة صادقة، لا من التزام اجتماعي أو تقليدي. هؤلاء الأشخاص يمنحوننا فرصة لتجديد نظرتنا للحياة لإثراء تجربتنا الإنسانية ولإضافة ألوان جديدة إلى أيامنا. هم بمثابة هدايا غير متوقعة، تحمل معها الشعور بالسكينة والطمأنينة، شعور قد لا نحصل عليه دائمًا من أولئك الذين ورثناهم بفعل العادات والتقاليد.
في الاخير، وكما يقول أحد الأدباء: “ليس كل من دخل حياتك بالصدفة مجرد عابر، بل قد يكون المعلم، الرفيق، أو الملجأ الذي لم تدرك حاجتك له من قبل”. قد تكون الصدفة أحيانًا أكثر سخاءً من أي تخطيط، وأكثر وفاءً من بعض الروابط المفروضة، لأنها تقدم لنا أشخاص نختارهم بقلوبنا قبل عقولنا، يشعروننا فعلاً بأننا لسنا وحدنا في رحلة الحياة ، ولكن يجب عدم اغفال دور الاخوة والعائلة ، كما يقول الرب في الكتاب المقدس : اَلصَّدِيقُ يُحِبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أَمَّا ٱلْأَخُ فَلِلشِّدَّةِ يُولَدُ.(أَمْثَالٌ ١٧:١٧.)