مقالات صحفية

“استهداف حماس أم قطر” بقلم الكاتب السياسي جوني منيّر

صادما كان خبر القصف الجوي الإسرائيلي لقطر. صحيح أن ملاحقة واستهداف إسرائيل لقيادات حركة حماس ليس جديدا وهو متوقع كل لحظة خصوصا بعد عملية “طوفان الأقصى” إلا أن حصول ذلك على الأراضي القطرية شكل المفاجأة المدوية. وهو ما يدفع للتساؤل حول الأهداف الفعلية التي أرادها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من اختياره للمكان وأيضا لاعتماده هذا التوقيت بالذات.
وكان ملفتا أن يسارع نتنياهو لتبني العملية التي حصلت في وضح النهار ، وبعد فترة قصيرة على حصولها. وقد يقول البعض أن لجوء إسرائيل لغارات جوية قد يكون بسبب عدم قدرتها على تنفيذ ضربتها عبر خرق بشري ميداني وبأساليب أمنية، لكن تبني نتنياهو للعملية بسرعة لافتة وبأسلوب فيه شيء من الإحتفالية، يدفع للتمهل في قراءة الخلفيات الحقيقية لما جرى. صحيح أن نتنياهو حاول القضاء على ما تبقى من الجسم السياسي لقيادة حركة حماس، لكن الجميع يعرف بأن التركيبة العسكرية هي الأهم في الظروف الحربية الحالية، والإجتماع المستهدف لم يكن يضم أي كادر عسكري مؤثر. لذلك فإن الإنطباع الأول تركز حول أن نتنياهو كان يريد القضاء على المجموعة المفاوضة لحركة حماس. أي أنه كان يريد الإجهاز على أي فرصة تفاوضية لصالح الإبقاء على الخيار العسكري فقط. وقد يكون هذا الإستنتاج صحيحا. فالحكومة اليمينية التي يترأسها نتنياهو تحمل مشروعا أكبر وأبعد من مفاهيم الحرب المحدودة. هي تحمل مشروعا يرتكز على تحقيق مشروع إيديلوجي، وتعتقد أن الظرف الذي ولدته عملية “طوفان الأقصى” لا يمكن أن يتكرر، وبالتالي لا بد من استثماره لتحقيق مشروع إسرائيل الكبرى وسط ظروف مؤاتية، مع وجود دونالد ترامب على رأس السلطة في واشنطن. وعلى سبيل المثال فإن نتنياهو ومع تجديد حملته العسكرية على غزة، باشر باستهداف وتدمير الأبراج السكنية. واعترف نتنياهو صراحة بأن طائراته دمرت 50 برجا. ولكن ماذا يعني ذلك؟ فلو كانت الأبراج تشكل أهدافا عسكرية أو “تهديدية” لكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية دمرتها خلال الأشهر الأولى من الحرب، وما كانت لتنتظر كل هذه المدة. وبالتالي الى ماذا يهدف نتنياهو في تدميره الجديد هذا؟ والجواب قد يكون صادما. فرئيس الحكومة الإسرائيلية والذي يطمح لاستمرار الحرب، بات يشعر بقيود داخلية عنوانها وجوب إطلاق ما تبقى من الأسرى الأحياء، والذين أضحى عددهم أقل من عشرة. وقد يكون نتنياهو يرجح وجود هؤلاء في أقبية داخل مجمعات سكنية ضخمة، حيث يمكن إخفاءهم بسهولة، أو داخل أنفاق تبدأ مداخلها تحت أبراج سكنية. لذلك هنالك من لا يستبعد أن يكون نتنياهو يحاول إقفال ملف الأسرى عبر قتلهم “خطأ” من خلال تدمير الأبراج على من فيهم. وجاءت الخطوة الثانية من خلال القضاء على كامل الوفد الحمساوي المفاوض. وإذاك تصبح الساحة خالية لاستئناف حربه الى النهاية وبحجة الإقتصاص من “قتلة” الأسرى. ولمن لا تخونه الذاكرة، فإن العصابات الصهيونية “الأرغون” اليمينية المتطرفة، كانت قد فجرت في العام 1946 فندق الملك داود في القدس،ما أدى الى مقتل العديد من اليهود، حيث المقر الإداري للإنتداب البريطاني. ووفق ما تقدم يصبح هدف نتنياهو من العملية فتح الأفق باتجاه المزيد من الحرب وصولا لتحقيق مشروع “تغيير وجه المنطقة”. لكن الإكتفاء بهذه القراءة قد يكون ناقصا.
فمن البديهي الإعتقاد بأن عملية بهذا الحجم لا يمكن أن يتجرأ نتنياهو على القيام بها من دون موافقة مسبقة وصريحة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فهنالك عاملين أساسيين لا يمكن القفز فوقهما وتجاوز البيت الأبيض. والمقصود هنا المكان أي قطر بكل ما تمثل، والزمان والمقصود هنا ليس فقط ظروف المنطقة بل خصوصا الظروف الدولية. ومهما جهد الرئيس الأميركي في مسعاه للتنصل من العملية عبر تقديم تبريرات غير مقنعة، إلا أن المعطيات المنطقية تجنح باتجاه فرضية منح واشنطن الضوء الأخضر للعملية. ذلك أن المعدات وأجهزة الرصد العسكرية الأميركية الموجودة في المنطقة، والتي تغطي مسافات شاسعة تصل الى حدود بحر الصين، لا بد وأن تكون رصدت إقلاع 15 طائرة حربية إسرائيلية باتجاه الخليج. والمعروف بأن الأمرة الجوية في المنطقة تعود أولا وأخيرا للقيادة العسكرية الأميركية. ولو أراد ترامب منع نتنياهو من القيام بعمليته لكان تحقق ذلك إسوة بما حصل في نهاية الحرب على إيران حين منعت واشنطن تل أبيب من إكمال حربها، وجرى إرغام الطائرات الإسرائيلية للعودة الى مطاراتها العسكرية.
صحيح أن إسرائيل بقيادتها اليمينية المتطرفة هي بمثابة آلة حرب متفلتة من كل قيد، إلا أن الأصح والأكثر دقة أن واشنطن تؤمن لها كل عوامل الدعم والحماية. وتكفي الإشارة الى أن الطائرات الإسرائيلية وفي خلال 24 ساعة فقط كانت تقوم بشن هجمات على خمس بلدان هي: غزة ولبنان وسوريا وقطر واليمن. وفي الوقت عينه كان نتنياهو يجاهر بمشروع إسرائيل. ولكن الجديد الصادم يبقى في إدخال قطر على برنامج العمليات الجوية، ما يطرح السؤال الأهم عن الرسائل الحقيقية والأهداف المطلوبة. وكان لافتا تصريح السفير الإسرائيلي في واشنطن لشبكة “فوكس نيوز” الأميركية والتي يتابعها ترامب، بأنه إذا كانت إسرائيل قد أخطأت هدفها في هجوم الدوحة فستصيبها في المرة القادمة. إذا هو يتحدث عن هجمات أخرى ولو أنه لم يحدد الأمكنة المقصودة وابقاها في العموميات رغم أن ترامب كان يعلن إلتزامه بعدم تكرار الهجمات على قطر.
والمعروف أن مظلة الحماية الأمني الأميركية لدول الخليج تعززت بعد اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. وعلى هذا الأساس جرى بناء قواعد عسكرية أميركية ضخمة في أنحاء الخليج، وجرى استثمار الموارد المالية الخليجية الهائلة في الأسواق الإقتصادية الأميركية. ورغم ذلك لم تتحرك بطاريات الدفاع الجوي المتطورة الأميركية الصنع مثل باتريوت وثاد لاكتشاف وإسقاط الطائرات المعتدية. وهو ما يدفع للتساؤل حول ما المطلوب تحديدا من هذا الهجوم. المحلل العسكري في صحيفة “إسرائيل هيوم” يوآف ليمور كشف أن الشاباك كان اقترح قبل حوالي السنة تنفيذ عملية اغتيال قادة حماس في قطر، لكن المستوى السياسي لم يصادق على هذا الإقتراح، وهو أيضا رفض فرصا واقتراحات أخرى تعالت في وقت لاحق. وهو ما يؤكد أن لاختيار التوقيت الحالي جهوز الظروف السياسية. وفي هذا الإطار لفت كلام رئيس الوزراء القطري خلال مؤتمره الصحفي تعليقا على الإعتداء بأن إسرائيل قالت بأنها في صدد إعادة تشكيل المنطقة، والسؤال هنا ما إذا كانت تريد إعادة تشكيل الخليج، وفق ما قال محمد بن جاسم آل ثاني. وهو قد يكون يوجه كلامه لواشنطن أكثر منه لتل أبيب. وقد يضع البعض ما يحصل في إطار بدء تحويل المنطقة الى ساحة نفوذ إسرائيلية وهو ما يفسر هجماتها الجوية المتتالية والمفتوحة على أي بقعة في أي بلد كان. وهي تضع هدف الإبقاء على تفوقها العسكري الكامل. فعلى سبيل المثال فإن الغارات التي شنتها مقاتلات إسرائيلية على مواقع عسكرية سورية في محيط اللاذقية وحمص مساء الإثنين الماضي استهدفت أسلحة دفاعية تركية جرى تزويدها حديثا للجيش السوري، وهي كناية عن صواريخ ومعدات دفاع جوي جرى نقلها الى المنطقة منذ وقت قصير.
بعد أيام سيتراجع الإهتمام الإعلامي عما حصل في قطر لصالح اللقاءات التي ستشهدها أروقة نيويورك على هامش أعمال الأمم المتحدة. ولا شك أن ترامب سيجتذب عدسات وأضواء الوسائل الإعلامية، وهو المعروف عنه ولعه بالميديا وباللعبة الدعائية. وستتركز الأنظار على اجتماعاته مرة مع الرئيس السوري، ومرة أخرى مع شخصيات مثيرة للجدل. لكن لقاءه مع أمير قطر، في حال حضر، سيكون له طعما آخر. في وقت أشار فيه إستطلاع “غالوب” الى أن 60% من الأميركيين باتوا يعارضون الحرب الدائرة في غزة مقابل 32% فقط، واستطلاع مؤسسة “بيو” والذي أشار الى أن 53% باتوا ينظرون الى إسرائيل بنظرة سلبية.
لكن تحالف ترامب_نتنياهو لديه مشاريع أكبر ومصالح أبعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى