مقالات صحفية

من التكامل …إلى الانهيار الاقتصادي دروس من التحاق دول اوروبا الشرقية بالاتحاد الأوروبي

بعد انضمام بعض دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي مطلع الألفية، هلّلت عواصمها ورفرفت أعلام الاتحاد في ساحات براغ ، بودابست ووارسو ، وصولاً الى تبليسي ، ووُعدت شعوبها بازدهار اقتصادي قادم، بنى تحتية حديثة واستثمارات أجنبية واعدة. لكن ما خفي خلف مشهد الانضمام كان أعظم، حيث بدأت معالم الانهيار الصناعي تتسلّل بصمت . ففي تشيكيا انهارت على سبيل المثال معامل كريستال بوهيميا العريقة التي لطالما شكّلت رمزًا للفن الحرفي ، فبعد انضمام تشيكيا في العام 2004، تعرّض هذا القطاع لضغوط بسبب المعايير الأوروبية الصارمة والضرائب والمنافسة الأجنبية، خاصة من المنتجات الصينية الأرخص. ومع غياب الحماية الجمركية أُجبرت هذه المعامل مع غيرها على الإقفال أو البيع. وفي هنغاريا لحقت بها معامل غلوبس الاكبر في الصناعات الغذائية وخاصة البازيلا ، وغيرها من الصناعات الغذائية والمعدنية، التي صمدت لعقود في وجه التحولات السياسية، لكنها عجزت عن مواجهة شروط الانضمام إلى السوق الأوروبية الموحدة.

وقد تكون المشكلة ليست في الاندماج بحد ذاته، بل في السرعة وعدم التحصين. ففتح الأسواق أمام المنتجات الغربية ذات الجودة الأعلى أو السعر الأرخص، أطاح بالمحليين الذين فقدوا القدرة على المنافسة. ثم جاءت المعايير الأوروبية البيئية والصحية الصارمة، فزادت الأعباء على المعامل القديمة. لا حماية، لا إعفاءات ولا انتقال تدريجي… فقط فتح الأبواب ودفع الأثمان. كما تُوّج ذلك بهجرة كثيفة للعقول واليد العاملة نحو أوروبا الغربية ، فيما بقيت المصانع خاوية أو بيعت بأبخس الأثمان. وتحوّلت معها اقتصادات تلك الدول إلى أسواق استهلاك بدل مراكز إنتاج، وتضاءل دور الدولة أمام سطوة الشركات الكبرى والمنافسة العابرة للحدود.

اليوم، وبعد أكثر من عشرين عامًا على ما سُمّي بـ”التحول العظيم” تكشف الوقائع أن الاتحاد الأوروبي لم يكن خلاصًا اقتصاديًا للجميع. بل أن التكامل الاقتصادي قد مر على جثث الصناعات التقليدية؟ حتى أن دول الأطراف دفعت ثمنًا باهظًا لهويتها الصناعية، مقابل عضوية سياسية واقتصادية مشروطة. فهل يمكن الحديث بعد اليوم عن تكامل عادل إذا كان أحد أطرافه قد دخل ضعيفًا وخرج أكثر ضعفًا ؟ وهل النجاح الأوروبي يشمل الجميع، أم يبقى امتيازًا للمركز على حساب الأطراف؟ من موقعي كصناعي لبناني ، أحمل همّ أرمينيا كما أحمل همّ لبنان، أتوجه بدعوة صادقة إلى قادة وطني الثاني أرمينيا، ومعها جورجيا الجارة، للامتناع عن تجرّع الكأس المُرّة، والابتعاد عن الانخراط في مشاريع التكامل الاقتصادي مع أوروبا الغربية التي أثبتت تجارب عديدة أنها تحمل في طيّاتها أضرارًا خفية. اللهم أني قد بلغت !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى