
ينبع الاهتمام الاميركي المميز بلبنان (أضخم سفارة في أصغر إمارة) من عوامل عدة أهمها وجوده على حدود الكيان الغربي المدلل الشمالية. هذا الفهم يدفعنا الى عدم الاستغراب من نوع العلاقة مع لبنان المتظاهرة بالاحتضان مقابل الوجه الغضوب الذي كشر عن انيابه بشكل سافر مرات عديدة، منذ حلف بغداد الى اجتاح لبنان وعملية تفجير مقر المارينز في بيروت واستخدام البارجة الحربية نيو جرسي في قصف بيروت والجبل الى مواقفها العدوانية إبان وبعد كل عدوان يهودي على لبنان وجنوبه وآخرها العدوان الذي ما زال متواصلا”(بشكله العسكري) من جانب واحد خارقا” كل المواثيف والمعاهدات الدولية،بما فيها الهدنة ووقف اطلاق النار الاخير الموقع في 27 تشرين الماضي .
تحرك اميركا ألتها الدبلوماسية فوق البروتوكولية( تتجاوز السفير أهميةأحيانا”) من مبعثين ،وزراء خارجية أو دفاع أو مبعوث خاص باسم الرئيس مباشرة، وكلها دلالات على درجة الاهتمام التي توليها هذه الادارة أو تلك، هذا الرئيس أو ذاك. وقد كان لبعض المبعوثين أو مهامهم أهمية قصوى من خلال الرسائل التي حملتها حقائبهم أو من خلال أشخاص(شخصيات) الموفدين ذاتهم رسائل قديمها بات يشكل محطات تاريخية أو عناوين لسياسات اميركا تركت آثارا” وعبرا” فهمها كل طرف على هواه أو بما يتوافق مع قناعاته حتى لو كانت تمس وجوده ومعتقداته.
لعل ابرز هؤلاء كان حضور دين براون لا لشخصه ، إنما للمشروع الذي طرحه والقاضي بنقل المسيحيين الى اميركا الذي تعامل معه اقطاب المسيحية انذاك (الجبهة اللبنانية: كميل شمعون وبيار الجميل) كحدث عادي ينحصر الرد عليه بالقبول أو الرفض دون الوقوف على ما يحمله من دلالات. كما كان إيفاد فيليب حبيب مع الاجتياح اليهودي الكبير للبنان، وهو اللبناني الاميركي الذي استبشر بقدومه البعض، القصير النظر، خيرا” ما حصل؟ ظنا” منه أن الخلاص سيتم على يده، في حين امتدت مفاعيل الاجتياح واحتلال أرض لبنان ووصول الجيش العبري الى قلب عاصمة العواصم بيروت وتدمير القسم الغربي منها بقصف جوي بري بحري عنيف( ربما شاركت فيه البوارج الاميركية) طوال ثلاثة أشهر بل شاركت اميركا مباشرة أو مداورة في ذلك، وهذا الحال ينطبق على المراحل كافة.طبعا” دون نسيان تلزيم لبنان بما يناسب مصلحتها حينما تصل الامور الى مآزق خانقة أو وجودية لا مصلحة لها مباشرة فيها طالما تسير الامور ضمن الاطر المقبولة كتلزيم لبنان لما عرف بال سين- سين (سورية-السعودية) والوصول الى اتفاق الطائف الذي لا يغير في الواقع اللبناني أو يخرجه من دائرة الازمة ( المطلوبة دوما”).
ناهيك عن ما كان لحضور وجه الشيطان صاحب العقيدة اليهودية اكثر من اليهود ديفيد ساترفيلد D.saterfield ( طيف الداهية اليهودي هنري كسينجر يخيم فوق كل الاسماء)الذي كلف بعدها ملف الاشراف على تدمير العراق وتمزيق نسيجه الجغرافي الاجتماعي الداخلي،ما يوحي بخطورة المهام التي كانت موكلة اليه في لبنان، ليس من الصعب استرجاع مآزقها وحدة صراعاتها.
بعد ما تقدم بات أيسر فهم ما تطلبه اميركا من لبنان( طبعا” بناء” على مطالب تل ابيب) يمكن استقراؤه او الاستدلال عليه من خلال التفرس في ملامح الموفد الجديد ،إذا لم تتثنى معرفة ماضيه كوجه سياسي جديد على غرار المبعوثة السابقة اورتيغوس .
أورتيغوس تلك الشخصية الجدلية الواضحة المعالم السهلة الاستقراء والتفرس في ملامحها والاستدلال من سلوكها سواء الجسدية الايمائية وضحكتها الساخركأة، واللهجة الفوقية الاستفزازية معطوفة على دالتها الواضحة وتعبيرها الصريح حد الوقاحة والغباء( للتأثير على حلفائها “السياديين”) بإظهار ولائها الواضح للدولة اليهودية بالطوق حول عنقها بتعليقها نجمة عشتار السورية التي سلبها اليهود مدلولاتها وجعلها تتوسط علم كيانه مدعيا” زورا” أنها نجمة العدو الذي يدمر لبنان.
ماذا يعني هذا وهي مبعوثة الرئيس ” الوقح” ترامب؟ وهي القادمة من مجال فني( يذكرنا بمقولة العبري ساخرة من لبنان باحتلاله بفرقة موسيقية عزفت لهم فيما بعد نشيد الموت والهزيمة) الا يعني هذا أنها اليهودية القادمة لاملاء شروط المعتدي بثياب الكاوبوي cowboy , مع العلم ان العبري فقط باستثناء فترة نشوته المحدودة زمنيا” وفعليا” بأغتيال القادة المقاومين في حزب الله( عاد بعدها الى الواقعية بعد نشوته تماما” كما حدث مع غزة وإيران) كان يتعاطى بندية واحترام عند مخاطبة المقاومة وسيدها. والمتابع الملاحظ لا يفوته أن فترة انتداب اورتيغوس لم تتعد’ تلك الفترة بين اغتيال السيد ورفاقه القدة الى حرب ال12 يوما” في أقصاها، وهذا دليل صدقية التحليل.
الاشارة الى أن اورتيغوس حلت بدلا” من المخنث الجميل اموس هوكشتينHockhsteim ذاك الذي أدخل بيروت إعلاميا” دخول الفاتخين بتعاليه وفوقيته وضحكته المتهكمة أمام الصحافة عند لقاءاته الساخرة بأركان السلطة “منبوشا”” كالطاووس، كذلك حين كان يفاوض بشأن الحدود البحرية يرسم الخرائط ويوزع المهام يصول ويجول على هواه غير آبه لمقام رئيس الجمهورية يملي شروطه ويحدد الرزنامات ومواقيت توقيع الاجتماعات والاتفاقيات ويأمر بها. وناله من الزهو ماحققه من تنازل عن الخط 29 لصالحه ( العدو) دون أن يلتقي الرئيس عون ، ومن ترحيب وتهليل فوق العادة من “الساديين” السياديين الجدد ومن تبجيل وانبهار بشخصه و”بطشه” الى أن أتته اولى النكسات يوم حلقت طائرة أيوب على هدير خطاب سيد الخطاب:” أضع نفسي جنديا” خلف فخامة الرئيس عون منتظرا” أوامره في الدفاع عن حقوق لبنان النفطية”. تغيرت ملامح الضيف الثقيل المغرور فبات ك” الطرطور” يدخل بلياقة بروتوكولية تقليدية ورصانة مصطنعة على مضيفيه، يحسب كلماته ويراقب خطواته الى أن جاء طوفان الاقصى والاسناد المقاوم . وقف معها الى جانب العدو على ركبة ونصف طيلة أكثر من عام الى حين استبداله بأورتيغوس وانقلاب الموازين ظرفيا”.
راحت السكرة وإجت الفكرة ( بالعامية). انتهى زمن الاعلان والادعاء بالنصر على وقع استعادة المقاومة خطابها والحديث عن إعادة المقاومة هيكلة قيادتها وتنظيم صفوفها واستئناف التصنيع المسير على وقع خطابات استخبارية يهودية تسأل عن مصير أنفاق عماد 4 و 5… الصاروخية وأمتصاص ضغط الطلب العدواني ب نزع سلاح المقاومة واستعادة السيد نعيم قاسم حدة خطابه الى جانب بعض القياديين استبدلت اللا دبلوماسية المتعجرفة أورتيغوس ب”الجنرال” الدمس الطلة الناضجة والابتسامة اللطيفة التي أخفتها ربما عدسات محبي الانياب البارزة أو اقلام “إعلاميي” زمن التفاهة محولين ورقة عمل طلبمن أركان الحكم الاجابة عليها في فترة اسبوعين للإجابة على اسئلتها بهدوء، فحولت بسحر مشعوذي الاعلان الى:” ورقة شروط يجب الاجابة عليها خلال مهلة محددة ب خمسة عشر يوما” . هذه المدة هي الفترة الفاصلة بين الكذب الاعلامي وحقيقة الموقف الذي جلاه المبعوث باراك Barrak بابتسامته الساخرة من أولئك بالقول حرفيا” :” نحن لا يمكن ان نملي على لبنان ما يجب أن يفعله..ولم يكن هنالك ضامن لوقف إطلاق النار .. وأن مشكلة لبنان ليست في ابران ،بل في ال150 طائفة لبنانية(ساخر طبعا”), 19 طائفة في لبنان اي أنها السبب قبل غيرها…لبنان ليس عليه أن يحترم مهلة معينة، إنما عليه ان يستعجل” .
اذا” بالمختصر لا مهل كما باح مدعوا الاعلام ما في أنفسهم ، واميركا لا تملي على لبنان في لغة مخففة للضغوط …وايران ليست المشكلة ، إنما المشكلة في الطوائف والطائفيين سياسيين وأعلاميين …والمطلوب اجماع وإلا اميركا لا يمكنها أن تفعل شيئا” ونحاول التوصل الى إتفاق …العدو مأزوم وجوديا” ولن يرض بوجود المقاومة اللبنانية التي لا تنتهي”مهمتها” الا بزوال أسباب وجودها.
براك المعتدل جاء بعد هزيمة المعتدي في ايران وظهورها دولة كبرى ندا” لاميركا في محاولة لرفع العتب عن اميركا في حال عدوان متجدد على لبنان(لا بد قادم) أو سواه والتلميح الصريح بأن أميركا لا تملي…أليس حزب الله حزبا” لبنانيا”!؟ من يعتقد ان اميركا ستتدخل لحل حزب انتم مسؤولون عن ذلك… وإنما لا تساعد اذا لم تنفذ إملاءاتها ورغباتها التي يعرفها الكبير والصغير ، ولا يوافق عليها المقاوم انما يرتضيها الوضيع الصغير.
ملامح المراحل في المنطقة ولبنان خصوصا” تظهر في طبيعة الموفدين الاميركيين سفراء أو منتدبين شخصيين للرئيس أو وزراء ويبدو أن مرحلة الفجور الاورتاغوسي تبعت فترة سابقها مع تبدل إضافي ووضوح في موازين القوى أكبر.
وتبقى مقولة انطون سعاده العالم المقاوم في ذكرى استشهاده راسخة رسوخ رسالته القائلة:” القوة هي القول الفصل في أثبات الحق القومي او إنكاره”