
في حديثٍ صريح عَبَّرَ خلاله عن هواجِس شريحة واسِعة من اللبنانيين، دعا نقيب مُعلِّمي صناعة الذهب والمجوهرات في لبنان الأستاذ بوغوص كورديان إلى اعتماد مُقاربة قانونية عادِلة ومُتوازِنة تحفَظ حقوق المالِك والمُستأجِر على حدٍّ سواء، مُحذِّرًا من تداعيات الإخلاءات العشوائية التي تُهدِّد الأمن الإجتماعي والإستقرار التجاري.
واعتبر كورديان أنَّ قانون الإيجارات الحالي يَحمِل في طيَّاتِه الكثير من الظُّلم، لا سِيَّما على صعيد المُؤسَّسات والمحال التجارية، مُشدِّدًا على أنَّ التسرُّع في تنفيذ الإخلاءات من دون ضمان بدائِل واقعية ومُنصِفة يُهدِّد بزعزعة الإقتصاد وقطع أرزاق آلاف العائلات.
وأكَّدَ على ضرورة أن يتحلَّى المعنيين بالحِكمة والمسؤولية، وأن يعملوا على تعديل القوانين بما يحفظ حقوق جميع الأطراف وصَون النسيج الإقتصادي والإجتماعي في لبنان.
استهَلَّ كورديان حديثه بتوصيف صريح للوضع الراهن، قائِلاً:«ما نشهده اليوم يتخطَّى الأزمة الإقتصادية، نحنُ نُواجِه أزمة وُجود وهُويَّة بكل ما للكلمة من معنى.»
وأوضَحَ أنَّ أزمة الإيجارات في لبنان ليست مُستجدَّة، بل تعود جُذورها إلى انهيار الليرة اللبنانية عام 1985، حين بدأت ملامح الخلل في العلاقة بين المالِك والمُستأجِر تتفاقم تدريجيًّا.
ولَفَتَ كورديان إلى أنَّ:«القوانين السابقة كانت مُنصِفة وعادِلة، وحفظت قدرًا من التوازُن بين جميع الأطراف. أمَّا اقتراح القانون الجديد، الذي تمَّ الطعن فيه أمس، فهو غير منطقي ويتعارَض مع الدستور، لا سِيَّما مع المادة 15 التي تضمن الحماية الكاملة للملكية الخاصة. وأنَّ التعديلات القانونية اليوم تُعتبَر مُجحِفة ولا تُحقِّق التوازُن المطلوب، كما أنَّها تنتَهِك الحُقوق المُكتَسَبة للمُستأجرين وتُفاقِم حالة عدم الإستقرار الإجتماعي والإقتصادي».
وتابَعَ:« المادة 15 كما جاء فيها حرفيًا: “الملكية في حِمى القانون، فلا يجوز أن ينزَع عن أحد ملكه إلَّا لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون ، وبعد تعويضه منه تعويضًا عادلًا.”»
كما سلَّطَ كورديان الضَّوء على أحد أبرز الإشكالات في القانون الجديد، والمُتمثِّل بإلزام المُستأجرين توقيع عقود جديدة كُلّ ثلاث سنوات بأسعارٍ تفوق قُدرتهم الفعلية، مُشيرًا إلى أنَّ:«من غير المنطقي أن يُطلَب من شخص يدفَع اليوم 200 دولار أن يُجبَر على دفع 400 دولار بعد ثلاث سنوات. هذه ليست عدالة، بل أسلوب مُبطَّن للتهجير والإخلاء القسري.»
وفي إطار طرحِه لحلّ عملي ومُتوازِن، أشارَ كورديان إلى:«أنَّ تجربة تطبيق قانون الإيجارات الحُرّ أظهرت أنَّ مهلة الثلاث سنوات للمُستأجرين غير كافية.» مُطالِبًا:«بضرورة تعديل هذه الفترة إلى 15 سنة، مع اعتماد آلية لزيادة بدل الإيجار تدريجيًا كُلّ خمس سنوات بما يتناسب مع مُعدَّل التضخُّم الإقتصادي، بما يضمن الإستقرار والعدالة للطرفين.»
حسب القانون ١١/٦٧، شدَّدَ كورديان على أنَّ: «العلاقة بين المالِك والمُستأجِر تنتهي إمَّا بالتفاهُم مع المالِك والحُصول على بدل خُلو، أو عبر اللجوء إلى القضاء في حال عدم التوصُّل إلى اتِّفاق.»
كما أعرَبَ عن رَفضِه الشديد للمساس بما يُعرَف بـ”الخلوّ”، الذي دفعه المُستأجرون عند تأسيس محالاتهم أو مساكنهم، مُؤكِّدًا بلهجة حازِمة:«لقد دفعنا خلوات العمر، وبنينا محلاتنا حجرًا فوق حجر، وساهمنا في صناعة إقتصاد هذا البلد. فبأي منطق أو حق يُطرَد الناس اليوم من دون أي تعويض؟»
وشدَّدَ كورديان على ضرورة التعامُل مع الملكية التجارية بخصوصية، باعتبارها جزءًا أساسيًّا من هُويَّة المدن والأسواق اللبنانية، مُضيفًا بأسَف:«هُويَّة الأسواق تندَثِر… الأماكن التي كان يعرفها الجميع لعشرات السنين ستختفي، لن يَعُد هناك محل ‘فُلان’ أو ‘شركة فُلان’ التي نراها جزءًا من ذاكرة المدينة.»
واقترَحَ رؤية مُتكامِلة تقوم على احترام قُدسيَّة الملكية التجارية وبدل الخلوّ، مع الحفاظ على وجه السوق وهُويَّته، مُؤكِّدًا أنَّهُ:« لا يمكن التنازُل عن هذه الحقوق إلَّا بمُبادرة من المالِك، مع التعويض العادِل للمُستأجِر، وفي إطار قانوني واضِح.»
كما وجَّهَ كورديان نداءً إلى فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، ورئيس مجلس النُوَّاب الأستاذ نبيه برّي، ورئيس الحكومة القاضي الدكتور نوَّاف سلام، وإلى النُوَّاب، قائِلاً: «ما نعيشه اليوم يتخطَّى أزمة قانون، نحن أمام أزمة وجود حقيقية. لا تتركوا البلد رهينة قوانين جائرِة. نحتاج إلى تشريعات تُعيد التوازُن وتحترم الإنسان، لا أن تُكرِّس فقط منطق الربح والمصالِح.»
وفي هذا السياق، حمَّلَ كورديان الدولة مسؤولية التراخي والتقاعُس عن اتِّخاذ إجراءات جدّية منذ اندلاع الأزمة الإقتصادية عام 2019، مُتسائِلًا بلهجة حادَّة: «منذ عام 2019 وحتى اليوم، أين هي القرارات؟ لماذا لم تُطرَح حُلول فعليَّة؟ ما نراه اليوم ليس سعيًا للحلّ، بل مسارًا مُمنهجًا لطرد المُستأجرين وتهجيرهم.»
ودعا الدولة إلى تحمُّل مسؤولياتها من خلال تقديم تسهيلات وقُروض مُيسَّرة تساعد في معالجة الأزمة العقارية بشكل جذري. مُشَدِّدًا على أنَّ الملكية تبقى تحت حماية القانون، ويجب أن تُدار وفق مبدأ التوازُن والتفاهُم بين جميع الأطراف المعنيَّة.
واختَتَمَ كورديان حديثه بنداء صادِق ومُؤثِّر، قائِلاً: «العدالة أساس المُلك وهي الأساس الذي يُبنى عليه الإستقرار. نحن لا نبحَث عن صراع بين المالِك والمُستأجِر، بل عن قانون عادِل ومُتوازِن يَحفَظ كرامة الجميع. يكفينا ما عانيناه من إذلال وتجويع.»
ودعا كورديان جميع المُستأجرين إلى التكاتُف ورفض الإستسلام للأمر الواقع، مُضيفًا بِحَزم:«المُستأجِر ليس مُستسلِمًا، بل مُنهَك ومُنهار. حانَ الوقت لتحرُّك جماعي حقيقي للدِّفاع عن حُقوقِه وكرامَتِه، قبل أن يُمحى عن الخريطة ويُزال من مُجتمعاتِه وأسواقِه.»