قبيل ساعات من اغتيال القوات الاميركية قائدَ فيلق القدس قاسم سليماني، في بغداد، كانت المعطيات السياسية تشير إلى تفاؤل بقرب الإعلان عن التشكيلة الحكومية المنتظرة في لبنان لاسيما بعد اللقاء الذي جمع الرئيس المكلف حسان دياب بالوزير جبران باسيل، والذي استمر لاكثر من 6 ساعات.
غير أن اغتيال سليماني «جمد» ظاهريا كل نشاط سياسي وطغى على المشهد العام، وسط قلق رسمي وشعبي من ان تطال تداعياته ليس لبنان فحسب بل المنطقة عامة. الترقب سيد الموقف، وقلق اللبنانيين من اللااستقرار السياسي والاقتصادي والمالي فاقمه قلق من تمدد المواجهة الإيرانية الأميركية المتصاعدة الى بلادهم المتخمة بالأزمات، والتي قد تتحدد اطرها (المواجهة) في كلمة مرتقبة اليوم للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله خلال مراسم تأبين سليماني والمهندس في الضاحية الجنوبية.
القبس استطلعت آراء عدد من المحللين والخبراء السياسيين عبر مجموعة من التساؤلات التي تشغل الشارع اللبناني: ما هي سيناريوهات ما بعد اغتيال سليماني على الساحة اللبنانية، ما هي احتمالات ان يشكل لبنان ساحة للرد الإيراني المرتقب، كيف يمكن تحييد لبنان عن النزاع الاميركي الايراني المتصاعد في المنطقة؟ واي دور يمكن ان يلعبه حزب الله في هذه المواجهة؟ تجاوز لبنان الرسمي الأزمات العميقة التي يعيشها، الانهيار العام الاقتصادي والاجتماعي، البطالة، اذلال المصارف للناس، أزمة الحكم، أزمة نظام المحاصصة الطائفية، ووقف إلى جانب حكام طهران ليؤكد أنه جزء من هذا المحور، بحسب الكاتب السياسي حنا صالح الذي رأى في تصريح لـ “القبس” ان موقف رئاسة الجمهورية كما موقف الخارجية يتسمان بالاستسهال والتنكر، استسهال بالانحياز وتنكر لمصالح لبنان ورأي غالبية اللبنانيين.
وإذا ما عطفنا هذا الموقف على ما أعلنه «حزب الله» بلسان أمينه العام، نرى ان لبنان قد يكون واحدا من المسارح التي يمكن أن تلجأ اليها إيران في الرد على الأميركيين. وحول امكانية شن حزب الله عملية ضد اسرائيل من جنوب لبنان، استبعد صالح امرا كهذا قد يدخل لبنان في حرب كبيرة لن تترك الا الدمار والخراب، لكنه اكد في المقابل ان «حزب الله» ينسجم في تحركه أو يخضع للموقف الذي ستعلنه طهران، والذي عبر عنه مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، بإعلانه أنه «لن يكون لواشنطن مكان آمن في المنطقة بعد هدمها كل الجسور»، وعليه قد يكون الرد من كافة الساحات التي تهيمن عليها ميليشيات الحرس الثوري: من لبنان، من العراق، أو من سوريا. الايرانيون يبحثون عن خاصرة معينة توجه من خلالها طهران ضربة ما. لا بديل لإيران عن المواجهة حتى تتجاوز أزماتها الداخلية تحت عنوان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
ويلفت صالح الى ان ترؤس خامنئي لأول مرة في تاريخ حكمه مجلس الأمن القومي الايراني هو اشارة واضحة ان ايران تعتزم الرد لكنها تبحث عن مسرح له، وهي تعلم جيدا ان الإدارة الاميركية أعلنت بدقة أن اي عملية تستهدف قواتها أو مصالحها سترد عليها في العمق الايراني. وهنا تحديدا معضلة النظام التي تفتح الباب امام امكانية الرد عبر «وكلائها» في المنطقة. فيما يبدو بحسب المعطيات أن هذا الاكثر احتمالا حتى اللحظة. الاغتيال.. وتأليف الحكومة في ما يتعلق بتداعيات اغتيال سليماني على الملف الحكومي تحديدا، وإمكانية تسريع عملية التأليف او تراجعها وفق «مصلحة» حزب الله، اللاعب الأكثر نفوذا على الساحة اللبنانية، يوضح الكاتب السياسي قاسم يوسف في اتصال مع القبس أن التطور السياسي الكبير الذي فرضه اغتيال سليماني على مستوى المنطقة برمتها، سينعكس حتما في لبنان، وسيرخي بظلاله على تشكيل الحكومة الجديدة، حيث ان حزب الله سيكون أمام خيارات دقيقة جدا ستجعله يُعيد حساباته انطلاقا من التطورات المحتملة. إزاء هذه التطورات فإن الخيارات المطروحة في الملف الحكومي يمكن تفنيدها على الشكل الآتي: اما أن يذهب حزب الله وحلفاؤه نحو إنتاج حكومة مواجهة سياسية من لون واحد، وهذا الامر قد يصطدم باشكاليات كثيرة، وعلى رأسها الوضع الاقتصادي والنقدي الذي شارف على الانهيار الشامل، بالاضافة الى «طبيعة» الرئيس المكلف تشكيل الحكومة حسان دياب، والذي لن يغامر بالذهاب في هذا الخيار.
الخيار الثاني هو الاتجاه نحو تشكيل حكومة تضم شخصيات جديدة تتخذ صفة الاختصاص، لكنها مرتبطة عمليا بالقرار السياسي للأحزاب المشاركة في تشكيل الحكومة. علما أن يوسف يستبعد هذه الصيغة، كانت مقبولة قبل اغتيال سليماني، لكن عملية الاغتيال اسقطتها، وذلك انطلاقا من رغبة حزب الله بتشكيل حكومة سياسية واضحة في هويتها وشكلها ومضمونها. Volume 0% •
بالتالي، يحضر الخيار الثالث، المتمثل بإعادة احياء حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها سعد الحريري، باعتبارها التركيبة الأمثل لمواجهة المرحلة المقبلة، وما قد ينتج عنها من تداعيات سياسية وأمنية على لبنان والمنطقة. قرار الرد واضح الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير رأى أن «أحدا لا يستطيع تحديد طبيعة الردود التي ستحصل في مواجهة العدوان الأميركي». مؤكدا أن «ثمة قرارا واضحا من محور المقاومة وإيران بالرد من دون تحديد مكان وزمان الرد، مما يجعل كل الاحتمالات واردة ولذا لا يمكن تحييد لبنان عن المعركة في حال تحولت إلى حرب مفتوحة». غير ان قصير أشار الى أن الأولويات في الرد قد تكون من قبل إيران والعراق نظرا لكونهما معنيين بالعدوان. ولفت قصير الى أن حزب الله جزء من محور المقاومة ولذا سيكون جزءا من أية حرب واسعة ولكن علينا انتظار ما سيحصل من إيران والعراق، وكذلك فإن السيد حسن نصر الله سيكون له خطاب اليوم الأحد سيحدد فيه مواقف الحزب. وختم «كل الاحتمالات واردة حسب طبيعة ردود الفعل الأميركية على الرد الإيراني».