تتبدّل الأولويات في لبنان تلقائياً مع تبدّل صورة الصراعات في المنطقة، ويشتدّ النزاع كلما تقاتلت المحاور الخارجية.
من هذا المنطلق، لا يجب الأخذ دائماً بطبيعة الكلام الذي يحكى ويساق في كل مرّة يرتفع فيها منسوب التوتّر والأزمات السياسية، وقد تكون الأمور بسيطة جداً، ونظراً لسياسة رفع السقوف، قد يصل البعض إلى حدّ المطالبة بتغيير النظام وإسقاطه والتأسيس لنظام سياسي جديد.
ولا يعتبر لبنان بعيداً عن رياح رسم خريطة المنطقة، خصوصاً أن كل الدول العربية والشرق – أوسطية تشهد ورش من أجل توزيع النفوذ وتقاسم الحصص وتركيب “سيبة” الحكم فيها. كل ذلك يحصل بتوافق أميركي- روسي غير معلن، فيما الاتفاقات الخفيّة التي تحصل تحت الطاولة لا يعلم بها أحد، وتكون الأصدق في ما يرسم للشرق الأوسط.
وتأتي القمّة المارونية التي دعا إليها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي غداً لتبحث أموراً أعمق من أزمة تأليف الحكومة، وسيصل البحث حسب بعض النواب المشاركين إلى مسألة الدور المسيحي والنظام القائم والتسويات الآتية إلى المنطقة.
وتأتي هذه القمّة بعد الكلام الخطير الذي أطلقه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من بكركي صبيحة عيد الميلاد عندما قال: “البعض يحاول خلق أعراف جديدة”، غامزاً من قناة أن البعض يحاول تغيير النظام والذهاب إلى المثالثة بدلاً من المناصفة التي كفلها الدستور وإتفاق “الطائف”.
ويذهب البعض إلى تفسير كلام الرئيس عون، ويقولون إن الكلام الذي دار بين عون والبطريرك كان صريحاً وواضحاً وبـ”المشبرح”، خصوصاً أن “حزب الله” بالدرجة الأولى يحاول فرض أعراف جديدة، ويتمّسك بتمثيل حلفائه السنّة من “اللقاء التشاوري”، علماً أن عون أيضاً كان قد قال خلال الإطلالة الإعلامية له بمناسبة الذكرى الثانية لانتخابه بأنّ هؤلاء لا يشكّلون كتلة نيابية، في حين أن الحكومة كان يجب أن تتألف بعد حلّ عقدة تمثيل “القوات اللبنانية” وقبلها عقدة تمثيل الحزب “التقدّمي الإشتراكي”.
ويؤكّد أحد النواب الموارنة الذين ينتمون إلى أحزاب “14 آذار” أن المشاركة في قمّة بكركي هي واجب مسيحي ووطني، فبكركي لا تدعو إلى مثل هذه القمم إلاّ إذا كان هناك خطر يهدّد الكيان. ويقول إن الجميع سيشاركون في القمّة، وستكون مسألة تأليف الحكومة من البنود الأساسية في اللقاء، لكن هناك ملفات أخرى ستبحث ومنها مسألة الدستور وصلاحيات رئيس الجمهورية واحترامها، لأن أي لعب بالدستور يشكّل خطراً.
ويجزم بأن الموارنة على مختلف أطيافهم لا يقبلون بالمثالثة، بل إن العمل هو لاسترجاع دور المسيحيين في النظام وتأمين تمثيلهم العادل، وبالتالي فإن ضرب المناصفة موضوع غير قابل للبحث وقد يودي بالبلاد إلى فتنة طائفية وحرب أهلية.
ولا يمانع موارنة “14 آذار” من دعم رئيس الجمهورية، إذ يعتبرون أن معركة الصلاحيات يجب أن لا تكون مندلعة، وإن أراد أحد الأفرقاء فتحها فإننا سنكون حكماً إلى جانب رئيس الجمهورية، مهما كان اسمه أو إنتماؤه.
عادل نخلة
يناير 15, 2019