يبدو أن قاعدة “اشتدي يا أزمة تنفرجي” لن تسري على الوضع اللبناني في المرحلة القريبة، بل ربما تنعكس القاعدة وتصبح “اشتدي يا ازمة تنفجري”، بدليل أن كلّ التوترات الإقليمية المتفجّرة بدأت تنتقل إلى لبنان توتراً وتفجيراً للمواقف والأحداث، خاصّة بعدما تراجع الحديث عن احتمال عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وهو ما عبّر عنه أمس وزير الخارجية القطرية بصورة مباشرة، وبعدما تفجرت قضية مشاركة ليبيا في القمّة الاقتصاديّة التنمويّة الاجتماعيّة المقرّر انعقادها بعد أيام قليلة، باعتذارها عن المشاركة في القمّة وفي الردّ الميداني الذي تمثّل باقتحام السفارة اللبنانية في طرابلس الغرب وتحطيم بعض محتوياتها، وبعد طيّ صفحة مشاركة سوريا في القمة الاقتصادية بشكل نهائي وبعد ما حمله معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى لبنان من مواقف واضحة تجاه “حزب الله”.
انعكس التوتّر الإقليمي على العلاقات بين الأطراف الداخلية بشكل ملحوظ، من دون أن يُسفر حتى الآن عن نسف أو نقض التسويات السياسية الكبرى، لكنه جمّد مفاعيلها على الأقل، لا سيما بعد ظهور طروحات قديمة – جديدة تتّهم ثنائي “أمل وحزب الله” بالسعي لفرض ما اصطلح خصوم الثنائي على تسميته “المثالثة” في الحكم، وهو أمر طالما نفاه ركنا الثنائي وأكّدا التمسّك بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين وفق اتفاق الطائف، خاصّة بعدما تمّ الاتفاق السياسي على بعض الأمور الإجرائية مثل توقيع وزير المالية على المراسيم.
وفي السياق، يقول وزير سياسي مخضرم لموقعنا إنّ كلّ الأمور متوقّفة في لبنان لأن الوضع الاقليمي لم يشهد انفراجات، بل بالعكس يشهد توتّرات عسكرية في شمالي سوريا وسياسية بين القوى الدولية والإقليمية المعنية، والوضع اليمني يترنّح بين محاولات وقف الحرب ومحاولات فرض السيطرة الميدانية لاستثمارها في الحل السياسي، تماماً كما يجري في سوريا.
ولا يخفي الوزير المذكور أن الموفد الاميركي هيل نقل إلى لبنان صراحة الموقف الأميركي الرسمي تجاه “حزب الله”، والذي عبّر عنه بيان السفارة الأميركية صراحة، وقال إن هيل أبلغ من إلتقاهم مضمون البيان من دون قفازات، ولم يخفِ الوزير احتمال انعكاس الموقف الأميركي سلباً على لبنان لكن شرط تجاوب بعض الأطراف اللبنانية معه وفتح معركة سياسية واسعة ضد الحزب، وهذا ليس محتملاً في ظلّ موازين القوى الداخلية القائمة حالياً.
ويرى الوزير المذكور أن الأمور ستبقى مجمّدة في لبنان حتى إشعار آخر، إلا إذا وعى المسؤولون والسياسيون اللبنانيون أهمية ترتيب أوضاعهم الداخلية بمعزل عمّا يجري في الإقليم. لكن لا يدري أحد إلى أين يمكن أن تصل هذه التوترات، لا سيما مع فرملة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، حيث أقفلت الأبواب أمام المساعي التي جرت بعد المعارضة الخليجية لعودتها.
يبقى الوضع الحدودي الجنوبي مدار اهتمام أميركي ومحليّ نظراً لانعكاسات تفجرّه السلبية على إسرائيل أولاً وأخيراً بقدر ما هي على لبنان، ولذك تشير المعلومات إلى أن الموفد الأميركي يسعى إلى ضبط الوضع ومنع أي تفجير غير محسوب النتائج سياسياً وعسكرياً. ولكن سيبقى الضغط الأميركي قائماً في لبنان على “حزب الله” ومن خلاله على إيران، ما يُرتّب ردود أفعال لا يُمكن التكهّن بمداها إذا تصاعدت وتحوّلت ضغوطاً ميدانية اقتصادية أو مالية أو عسكرية محدودة.
يناير 15, 2019