تطالعنا التقارير في كل اسبوع بأخطارٍ يواجهها الإقتصاد اللبناني؛ منها ما يُمهلنا ثلاث سنوات ومنها من يُعلن أننا في موتٍ سريري.
يحتار المواطن بين التقارير المتضاربة ويضيع. حتى أن المسؤولين لم يعودوا متفقين على نظرة واحدة حول قدرتنا على الصمود؛ بعضهم من يُطَمئن وبعضهم من يدق ناقوس الخطر.
لم يكد حاكم مصرف لبنان يقوم بطمأنة المواطنين على تماسك الوضع المالي وإن على المدى القصير، حتى طالعنا تقرير مصرف غولدمان ساكس بسناريوهات الإنهيار وكانه حاصلٌ غداً.
إن مصرف غولدمان ساكس من المصارف العريقة المعروفة بتحاليلها الواقعية التي لا تُجامل ولا تُهادن. من الطبيعي أن يكون همه الأول سلامة إستثمارات عملائه الأجانب، لكني خِلتُ نفسي، وأنا أقرأ تقريره الأخير، كأني أمام طبيب أمريكي ينبىء مريضه بأن أيامه أصبحت معدودة ويُخيِّرَه بين الموت المُحتَّم وبين بتر يديه الإثنتين، إضافة إلى إحدى ساقيه. في الوضع اللبناني إحدى اليدين هي الليرة واليد الأخرى هي القطاع المصرفي أما ساقه والتي مكنته من الوقوف حتى الآن فهي مُدخَرات المودعين.
يطرح غولدمان ساكس إمكانية رفع سعر صرف الدولار من 1500 ليرة إلى 3000 ليرة، والإجابة على هذا الطرح تكمن بتبيان خطرين أساسيين:
– أولهما، عدم الجزم بأن رفع سعر صرف الدولار بسقف معين قد يُفلِحْ، إذ انه يعني للمودع بالعملة الوطنية أنه متى تزعزعت الثقة وبدأت كرة الثلج بالتدحرج يصبح ضبطها صعباً وقد يتطلب ذلك مجهوداً يقاس بعشرات اضعاف المجهود المبذول حالياً.
– ثانيهما، إن أي خفض لسعر العملة سيدفع ما يقارب 750000 مواطن مِمَن يتقاضون رواتبهم بالليرة للمطالبة الفورية بتصحيح الأجور ما سيزيد الضغوط على العملة الوطنية من جديد، ومن ثم الدخول في الحلقة المفرغة.
يطرح غولدمان ساكس إمكانية تحميل المصارف، التي إستفادت طويلاً من تمويل عجز الخزينة بفوائد مرتفعة، عبء العجز في سداد الدولة لديونها في حال حصوله، وهذا الطرح لن يؤمن الأموال الكافية، لا بل سيزعزع القطاع المصرفي. في حين يعرف القاصي والداني بأن جُلَّ ما تبقى للبنان هو قطاعه المصرفي وأن إنهياره لا يعني فقط إنهيار الإقتصاد إنما زوال لبنان بصيغته الحالية…
يطرح غولدمان ساكس إمكانية سداد ديون الدولة من مدخرات المودعين، فيدفع هؤلاء من أرصدتهم فاتورة دين الدولة بحسب السيناريو القبرصي. إن أي مساس بأموال المودعين سيجعل من لبنان محرقة للودائع يتجنبها المُدَخِرون لسنوات طوال. إن مجرد الخروج بطرح مماثل يدفع بالمودعين الحاليين للبحث عن ملاذٍ آمن لإيداعاتهم في الخارج منذ الآن.
إن تقرير غولدمان ساكس يحمي مستثمريه الأجانب وهذا حقه الذي لا جدل فيه، لكنه ليس الحل للبنان ولا للبنانيين. إن الحل يبقى بالعمل على إستقرار الوضع السائد رغم مساوئه إلى حين إنكشاف الأفق، أي “شراء الوقت”، وهذا ما يقوم به رياض سلامه حالياً في سباقٍ مع الزمن.
الدكتور فادي خلف – أمين عام إتحاد البورصات العربية
ليبانون فايلز
زر الذهاب إلى الأعلى