بدا لبنان أمس عيْناً على العاصفة الثلجية التي تضربه حتى الأربعاء ويُنتظَر أن يتحوّل معها «جمهورية بيضاء»، وعيْناً أخرى على «الحرب الباردة» الدائرة على تخوم ملف تشكيل الحكومة الجديدة والتي يُخشى ان تُحَوِّله… «دولة فاشلة».
وفيما وصلتْ ليل أمس طلائع العاصفة «norma» التي ستحمل معها ثلوجاً تكلّل المرتفعات ابتداءً من 700 متر إضافة الى رياح عاتية ستلامس 100 كيلومتر، فإن أزمة تأليف الحكومة تبقى أسيرةَ «عصْفِ» أفكارٍ تدور حول نفسها وتحديداً حول الثلث المعطّل في الحكومة الذي يريده فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحت عنوان حفْظ حقوق المكوِّن المسيحي وإعادة التوازن داخل السلطة التنفيذية، وهو العنوان الذي يُخْفي وراءه بحسب أوساط سياسية رغبةً في ان يمتلك رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل «ورقة ذهبية» تحْجز له موقعاً متقدّماً على طاولة الانتخابات الرئاسية متى حان موعدها، الأمر الذي يرفض «حزب الله» التسليم به لإبقاء «مفاتيح» هذا الاستحقاق في جيْبه.
وبعد «الارتجاجات» القوية التي أصابتْ علاقة الحليفين، «التيار الحر» و«حزب الله»، على خلفية رفْض الحزب أن يكون ممثّل النواب السنّة الستة الموالين له في الحكومة (المقتطَع من حصة عون) جزءاً من التكتل المحسوب على رئيس الجمهورية وملتزماً بتوجّهاته وقراراته وإصراره (الحزب) على أن يكون «ممثلاً حصراً» لهم ولخياراتهم، ارتسمتْ في الساعات الماضية مَلامح محاولة لمعاودة حرْف الأنظار عما تعبّر عنه هذه المسألة من عمق أزمة الثقة بين «حزب الله» وباسيل وانعكاسات ذلك على التطلعات الرئاسية للأخير، وذلك عبر السعي إلى نقْل «كرة» الأزمة مجدداً الى ملعب الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري.
وفي هذا الإطار، وبعدما حَمَل رئيس «التيار الحر» الى الحريري 5 طروحات، تفْضي كلها إلى احتفاظ فريق عون بالثلث المعطّل، بدا لافتاً تركيز «حزب الله» وقريبين منه على الصيغة القديمة – الجديدة القائمة على توسيع الحكومة الى 32 وزيراً عبر إضافة وزيريْن علوي وسرياني، بوصْفها حلاً مقبولاً من الجميع إلا من الحريري. علماً ان الأخير كان رَفضها لاعتبارات عدّة بينها ان توزير علوي (وإن كان من حصته) في خطوة غير مسبوقة في لبنان له محاذير بالغة الحساسية كون إدخال هذا العُرف سيعني ما يشبه حجز مقعد مستقبلي للنظام السوري، كما أنّه يخلّ بالتوازن السني – الشيعي داخل الحكومة (6 وزراء سنّة مقابل 6 شيعة زائد علوي) وهو ما لن يغطّيه زعيم «تيار المستقبل».
ولاحظتْ الأوساط السياسية أن التغطية «الشكلية» من «حزب الله» لصيغة الـ 32 لم تشتمل على إيضاح كيفية توزيع الحصص ضمن هذه التركيبة، مذكّرة بأن رئيس البرلمان نبيه بري، شريك الحزب في الثنائية الشيعية، كان غَمَزَ عند تقديم هذا الطرح قبل نحو شهر من أن يحصل الحريري على الوزيرين العلوي والسرياني الإضافييْن تعويضاً له عن تعيين الوزير السني من حصّة الرئيس عون، بما يعني عملياً عدم حصول فريق الأخير على الثلث المعطّل (يصبح 12 وزيراً في حكومة من 32). علماً أن تقارير نقلتْ عن بري امس استغرابه لما يسمّيه الدوران حول الحل الوحيد والواضح لمعضلة التأليف وهو «تمثيل اللقاء التشاوري (السنّة الموالين لـ «حزب الله») بوزير يمثّله حصراً ويلتزم بقراره».
وتبعاً لذلك، ترى الأوساط نفسها أنّ ما يشهده مسرح التأليف الحكومي راهناً هو مناوراتٌ بالطروحات للتعمية على أصْل المشكلة والمساعدة في تَراجُع مناخات الاحتقان بين «حزب الله» و«التيار الحر» على مشارف الذكرى 13 لتفاهم «مار مخايل» بينهما (6 فبراير)، معتبرةً أن استمرار المأزق الحكومي في غمرة بدء حركة الإضرابات والتظاهرات التي تنطلق الأسبوع المقبل وصولاً الى موعد القمة التنموية في بيروت (20 الجاري) يشي بتفاعلاتٍ جديدة يمكن أن تفتح الواقع اللبناني على إرباكاتٍ غير محسوبة.
وبحسب هذه الأوساط، فإنّ غياب الحكومة «المكتملة النصاب» سيزيد من الارتباك الرسمي اللبناني بملاقاة القمة التنموية التي باتت تراوح بين تقديراتٍ تلمح إلى تشكيك في إمكان انعقادها والى احتمال إرجائها، وبين توقعات بأن ينخفض مستوى تمثُّل الوفود المشارِكة فيها، في حين ان مسألة دعوة سورية الى القمة تبقى رهن حصول قرار عربي مسبق بعودتها الى الجامعة العربية وهو ما تلتزم به بيروت رغم المطالبات المتصاعدة من أطراف لبنانيين بتوجيه دعوة إلى دمشق.
“الراي الكويتية
يناير 6, 2019