تعتبر روسيا، حسب هذه الاوساط الديبلوماسية، انّ قرار بقائها في سوريا لفترة طويلة يتطلب استقراراً داخلياً لبنانياً، وعلى هذا الاساس تعمل اليوم على تعزيز الاستقرار في لبنان لأنّ أي تأزيم لبناني داخلي سينعكس على سوريا وتباعاً على وضعها في ظلّ انتشار الجيش الروسي على الشواطئ السورية.
وتوضح الاوساط نفسها «أنّ فقدان التوازن السياسي الداخلي في لبنان سيؤدي الى أزمة ستنعكس حكماً على سوريا وروسيا أيضاً».
وتشير الى «انّ روسيا تدرك تماماً خطورة سيطرة أي تيار على الحكم في لبنان وعلى سلطة القرار وخصوصاً «محورالممانعة»، بما معناه انّ اميركا او اسرائيل لن يسمحا بذلك ما سيؤدي الى تصعيد واحتمال اندلاع حرب في المنطقة، فإذا كان لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مصلحة في الحرب فلا مصلحة لروسيا بها، ولذا فإنها لا تريد اي تصعيد في الداخل اللبناني لعدم اعطاء اميركا واسرائيل مبرراً لشنّ حرب على لبنان، ولأنّ أي حرب ستنشأ في لبنان إبّان تمركز الجيش الروسي على الحدود السورية وقرب الشواطئ ستشكّل للروس إرباكاً ومشكلة جدية، ومن هذا المنطلق يسعون الى دعم الاستقرار اللبناني، والأهم أنهم يطلبون أن يكون هناك توازن في الحكم والحكومة.
ووفق الاوساط الديبلوماسية المعنية بالملف اللبناني ـ الروسي تعتبر روسيا أنّ الغلبة لها وحدها في سوريا، وانها المنتصرة وتقيّم دورها على أنّه الأهم وهو الذي حقق النصر لسوريا ولم يحققه أي فريق آخر. كذلك تعتبر انّ سوريا كانت ستسقط بالضربة القاضية وستخسر الحرب لولا التدخل الروسي في اللحظات الحاسمة.
وتقيّم روسيا الوضع في سوريا قبل تدخلها العسكري خصوصاً قبل عام 2015 بالضعيف، وأنه كان سيصمد لأسبوعين فقط لو لم تتدخل روسيا جوّاً وتقلب المقاييس، وهو الواقع الذي كرّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الحديث عنه مرات، إذ قال حرفياً: «لولا تدخّلنا لَما بقيت سوريا على الخريطة».
وانطلاقاً من هذا الواقع يعتبر الروسي أنّ له الحق في استنباط الحل الاساسي للملف السوري ولا يسمح أحد غيره اعتبار نفسه منتصراً في سوريا، وبالتالي لن يسمح لأحد غيره بترجمة هذا النصر في دول الجوار.
من هذا المنطلق فإنّ خطاب روسيا اليوم هو، حسب الاوساط الديبلوماسية، «أنا انتصرتُ وأنا لعبت الدور الاساسي وسأترجم انتصاري في لبنان أيضاً».
ووفق هذا المعيار قررت روسيا التدخل في لبنان لإحداث «التوازن» في الداخل، لأنها أدركت أنه يشكل مصلحة وضرورة لوضعها ولتموضعها الحالي في سوريا.
في المقابل تلفت الاوساط الديبلوماسية إيّاها، الى عدم تدخل روسيا في تشكيل حكومة العراق بينما نشهد العكس في لبنان، مردّه الى انها أدركت مصلحتها الحيوية في التدخل لبنانياً، لذلك يهمها إفهام اللبنانيين انّ الاستقرار في بلدهم يلزمه توازن في السلطة».
وتكشف الاوساط أنّ الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري كان له بعد اجتماعه الاخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فرنسا، لقاء مع لافروف استمر ساعة «شهدنا بعده تحركاً وتواصلاً روسيّاً مع سوريا وإيران تركّز البحث خلاله على موضوع استقرار لبنان، وضرورة إرساء التوازن الحكومي في السلطة، والاسراع في تشكيل الحكومة وعدم استعمال هذا البلد منصّة لحل قضايا إقليمية».
وانطلاقاً من مصلحتها تنظر روسيا الى مصلحة لبنان، وترى انّ اي غلبة لفريق على آخر فيه لن يكون لمصلحتها حالياً لأنّ «حزب الله» اذا كان الغالب في سوريا، وفق تعبير الاوساط الديبلوماسية، لن يعمل لمصلحة روسيا بل لمصلحة إيران. ولذا، فإنّ التوازن في السلطة هو هدف روسيا الحالي. والاستقرار، في رأيها، هو أن لا تكون هناك غلبة لأيّ فريق في الحكومة.
وفي هذا السياق تلفت المصادر الديبلوماسية الى الدور المهم الذي أدته روسيا وما زالت تؤديه في تشكيل الحكومة، لكنها في الوقت نفسه لا تنفي وجود أدوار أُخرى ربما لأفرقاء آخرين يتحكّمون، وفق قدراتهم، بتأخير تأليف الحكومة.
في وقت تكشف المصادر نفسها، انّ روسيا تواصلت مع اسرائيل لمنع التصعيد خصوصاً في لبنان، لكنها في المقابل سمحت لإسرائيل بضرب ايران في سوريا وليس في لبنان. المؤشر العملي الى هذه المعادلة برز بعد اجتماع بوتين مع نتنياهو بعدما كانت تستغرق رحلة الطيران الروسي الـ«Aeroflot» القادمة الى بيروت مدة 3 ساعات وثلث الساعة للوصول، فيما اصبحت بعد اجتماع بوتين ـ نتنياهو تستغرق 4 ساعات وثلث الساعة بعدما أُبعِد مسارها عن الشواطئ السورية نحو 300 كيلومتر، الأمر الذي يعني انهم يعلمون بإمكانية حصول الضربات الاسرائيلية واحتمال الرد عليها.
وتبقى الإِشارة إلى أنّ ابرز الاسباب التي تدفع روسيا الى العمل على إرساء الاستقرار والتوازن اللبناني هو وجود الغاز في المنطقة في لبنان كما في اسرائيل أو مصر أو سوريا، فهي حريصة على أن يكون تصديره تحت إشرافها إذ أنها تتخوّف من تصدير الغاز غير الروسي الى الخارج، وتحديداً الى اوروبا، لأنّ الاقتصاد الروسي يرتكز بنحو اساسي على تصدير الغاز الى اوروبا بنسبة تتجاوز الـ50%، وأي منافس آخر «يخربط» هذه المعادلة سيهزّ اقتصاد روسيا…
ومن هنا فإنّ موسكو تدرك أهمية وجودها في المنطقة لمراقبة التطورات وفرض التوازن اللبناني الداخلي بكل ما أوتيت من قوة، متمسّكة بشعار انها «الغالبة في سوريا ويحق لها فرض شروطها لإنقاذ مصلحتها والحفاظ على مكتسباتها».
وقد فازت روسيا في مناقصة للتنقيب عن الغاز في لبنان ضمن المناقصات الخارجية التي أجراها لبنان، وهي ستتقدّم بعروض في مناقصات أخرى للتنقيب في مناطق لبنانية أخرى، علماً انّ الوجود العسكري الروسي في المنطقة سيجعل تصدير الغاز اللبناني الى مطلق أي دولة تحت الاشراف الروسي مستقبلاً.
ملف النازحين
وتشير المصادر الديبلوماية الى التطوّر الجديد في ملف النازحين السوريين الذي تعتبره روسيا أساسيّاً أيضاً بالنسبة إليها، لأنّ عودة هؤلاء النازحين الى بلادهم هي، في نظرها، ليست مرتبطة بالاستقرار في سوريا، بل بالاستقرار في لبنان، بمعنى انه اذا لم يكن هناك استقرار في لبنان فلا عودة للنازحين الى سوريا.
وتلفت الى «أنّ روسيا مُدركة أن لا مصلحة لإيران بعودة النازحين السوريين الى بلادهم ومغادرة لبنان».
وتؤكد أن «لا نية لروسيا بالتراجع عن متابعة ملف عودة النازحين، وهي في طور استكمال المفاوضات والمشاورات الجدية مع المفوضية العليا للاجئين، وقد حققت هذه المفاوضات تقدماً سيُعلن عنه بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، وسيتظَهّر علناً بالتحرّك العملي في موضوع «العودة».
وبحسب معلومات «الجمهورية» يمكن القول انّ هناك بشائر حل لموضوع تمويل مشروع العودة