يبدأ العام 2019 على وقع إضراب عام، تبناه بالأمس الاتحاد العمالي العام والنقابات المنضوية تحت لوائه، في حين آثرت الهيئات الاقتصادية عدم المشاركة، على اعتبار انّ التوقيت غير مناسب، خصوصاً واننا لا نزال في فترة الاعياد والسياح لا يزالون في لبنان.
انتشر في نهاية العام 2018 عبر مواقع التواصل الاجتماعي شريط فيديو يدعو الى الاضراب العام في كل لبنان يوم الجمعة 4 كانون الثاني الجاري، تحت عنوان المطالبة في الاسراع في تشكيل الحكومة والضغط لتشكيل حكومة اختصاصيين، تتخذ خطوات سريعة لانقاذ البلاد. وقد خصّ الفيديو بالذكر «أصحاب المؤسسات والمصارف والموظفين واصحاب المهن الحرّة، تحت ذريعة انّ لبنان يتجه نحو الانهيار، مع اقفال آلاف المؤسسات وارتفاع نسب البطالة وانهيار اقتصاد الدولة وماليتها، في حين لا يزال سياسيو لبنان يتناتشون حصصاً وزارية بعد مرور أكثر من 7 اشهر على عدم تشكيل الحكومة».
تلقف هذه الدعوة الاتحاد العمالي العام و»حزب سبعة» وبعض النقابات، في حين أعلنت الهيئات الاقتصادية ان لا علاقة لها على الاطلاق بالدعوة الى الاضراب، لأنّها على قناعة تامّة بأنّ الاضراب قد يؤدي الى مزيد من الخسائر.
في هذا السياق، أكّد رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير لـ»الجمهورية»، انّ القطاع الخاص اتخذ قراراً بعدم المشاركة في الاضراب ولن يغيّر رأيه. وعزا ذلك الى التوقيت الخاطئ للاضراب، فنحن لا نزال في فترة الاعياد ويوم الاحد عيد الميلاد لدى الطوائف الارمينية، عدا عن ذلك، فانّ السياح لا يزالون في لبنان وبعضهم مدّد اقامته للاستفادة من موسم التزلج، ونحن نعرف وجع المؤسسات الخاصة، وهي انتظرت هذه الفترة من العام لتتنفس قليلاً. لذا لن نقبل ان نضربها في عز الموسم. وأضاف شقير: «نحن ندعو معاملنا ومصانعنا ومصارفنا والتجار وكل المؤسسات الخاصة الى التصرّف كأي يوم عادي وان تفتح ابوابها يوم الجمعة».
وعن دعوة تجمّع رجال الاعمال، وهو عضو في الهيئات، الى المشاركة في الاضراب بقرار يخالف موقف الهيئات، قال: «انّ الحجم التمثيلي للتجمع متواضع. نحن كقطاع خاص لسنا تابعين لأي حزب ولا لأي طرف سياسي، وليس صحيحاً انّ المجتمع المدني هو من دعا الى الاضراب انما حزب سبعة».
ورداً على سؤال، أكّد شقير انّ الهيئات الاقتصادية ستتخذ الخطوات المناسبة وفق ما تراه مناسباً، انما بعد انتهاء القمة العربية الاقتصادية التي ستنعقد في بيروت. اما هذا التحرّك اليوم بتوقيته الخاطئ فسيعطّل البلد في فترة غير مناسبة، وكل يوم اضراب في هذه الفترة ستكون خسائره كبيرة على الاقتصاد».
في المقابل، شكّل تجمع رجال الاعمال اللبنانيين خروجاً على الاجماع بدعوته الى المشاركة في الاضراب العام، ليخالف بذلك قرار الهيئات الاقتصادية.
وعن الاختلاف بالرأي قال رئيس التجمّع فؤاد رحمة لـ»الجمهورية»: «انّ الحراك المدني اتصل بنا، ولما رأينا انّ مطلبهم هو مطلبنا، فنحن نريد ايضاً الاسراع في تشكيل حكومة، توافق أعضاء التجمع، والذي يضمّ أصحاب ومدراء الشركات، على امكانية المشاركة في هذا الاضراب. وبالتالي، انّ كل مؤسسة بشخص مديرها ستتخذ القرار المناسب في ما خصّ الإقفال».
أضاف: «انّ تشكيل الحكومة بات مطلباً شعبياً. فنحن متضررون من عدم التشكيل، وإذا كان هذا التحرّك السلمي قادراً على الاسراع في تشكيل الحكومة فنحن داعمون له خصوصاً واننا نعاني من الجمود الاقتصادي ومن تراجع حجم الاعمال».
واعتبر رحمة، «انّ الهيئات تحفظت على القرار، معتبرة انّ توقيت الاضراب غير مناسب، في حين اننا نرى ان ليس نحن من يقرّر التوقيت انما الناس تقرّره خصوصاً وان المطلب هو نتيجة نقمة الناس وهو مطلب سلمي وليس مطلباً فئوياً او مطلباً مسيّساً».
وتابع: «انّ اصحاب العمل ليسوا متضررين فقط بأعمالهم، انما تقع على كاهلهم مسؤولية كبيرة، لأنّ عليهم تأمين الرواتب للموظفين. لذا نرى ان الخسائر كبيرة، انما الخسائر الناتجة من غياب الحكومة أكبر».
ورداً على سؤال، توقّع رحمة ان تكون نسبة الالتزام بالاضراب كبيرة.
وكان المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام، قد وافق أمس على توصية هيئة المكتب بالاضراب يوم الجمعة 4 كانون الثاني وتنفيذه في القطاعات والمناطق والمؤسسات والادارات العامة والمصالح المستقلة والمصارف والمصانع والمتاجر كافة، كمبادرة إحتجاج اولية ورفض كل ما يجري والتحضير لتصعيد المواقف. وصدر عن الاجتماع بيان مما جاء فيه:»إننا في الاتحاد العمالي العام ندعو مع شركائنا في هيئة التنسيق النقابية ومنظمات المجتمع المدني، الى رفض كامل لهذا المستوى من المعالجات في الممارسة السياسية من قِبل الجميع. وندعو الهيئات الاقتصادية، الى التعاون المُثمر للوصول الى الحلول المرجوة بهذا الإطار. لذلك، يدعو المجلس التنفيذي جميع عمال لبنان في قطاعاتهم كافة وفي جميع المناطق والمؤسسات والإدارات العامة والمصالح المستقلة والمصارف والمصانع والمتاجر الى تنفيذ إضراب وطني عام وشامل وعدم التوجه الى أعمالهم والتزام منازلهم كمبادرة إحتجاج أولية ورفض لكل ما يجري والتحضير لتصعيد المواقف بمختلف أساليب الإضراب والاعتصام والتظاهر بالتنسيق مع القوى والأطراف الاجتماعية كافة بكل الوسائل الضرورية الضاغطة وصولاً الى تشكيل الحكومة في أقرب وقت ممكن».
من جهته، قال رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر انّه «لقاء وطني جامع بين هيئة التنسيق النقابية وروابط المعلمين والادارة العامة والمجتمع المدني و»حزب سبعة» لاطلاق صرخة بعنوان «تشكيل حكومة» لإنقاذ الشعب اللبناني، وهذا الاضراب ليس موجّهاً ضد احد وهو ليس مع احد، بل انّه تحميل المسؤولية للجميع ومن ساهم في تأخير تشكيل الحكومة». أضاف: «هذا اللقاء وهذه الدعوة الى الاضراب العام هما تعبير عن نبض الناس وشكوى المجتمع المدني الذي لا يجد سلطة تنفيذية يتوجّه اليها بمطالبه الاجتماعية والمعيشية، فان تشكيل الحكومة يجب ألا يكون مطلباً نقابياً او شعبياً بل هو واجب دستوري لاستكمال تكوين السلطة. وانّ تأليف الحكومة ليس الحل بل البداية والطريق الصحيح لمعالجة مشاكل الناس العالقة منذ زمن».
وختم الاسمر: «انّ دعوة الاتحاد العمالي العام وقوى المجتمع المدني الى الاضراب هي لتحقيق آمال الشعب اللبناني بعنوان تشكيل حكومة، وهي صرخة ضد الظلم وبداية لإيجاد مرجعية لمعالجة كل الامور والأزمات المتراكمة منذ أعوام».
بدوره، دعا «حزب سبعة» وناشطون مستقلون، في بيان الى «الاضراب يوم الجمعة 4 كانون الثاني»، وقال: «انّ «حزب سبعة» بادر الى دعم هذا الاضراب المحق والطبيعي والذي يطالب بحكومة اختصاصيين سريعة، بعدما فشل من تمّ انتخابهم في تشكيل حكومة لاكثر من 7 اشهر، وفي ظل عدم اكتراث السياسيين لوضع الناس». اضاف: «هذا اضراب المواطن وليس اضراب الهيئات او اضراب اي جهة محددة ولا حتى اضراب سبعة».
في السياق، أعلن اتحاد النقل الجوي التزامه قرار الاتحاد العمالي العام المشاركة في الاضراب العام تحت مطلب «تشكيل حكومة لتكون مرجعية نلجأ اليها ونطالبها بحقوقنا ومنها رفع الحد الادنى للأجور في القطاع الخاص». وأعلن الاتحاد التوقف عن العمل يوم الجمعة 4 كانون الثاني لمدة ساعة واحدة من التاسعة والنصف الى العاشرة والنصف صباحاً. واعتذر الاتحاد «من اللبنانيين على اي ازعاج لان عملنا لضرورات وطنية».
كذلك، اعلن المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات عمال وموظفي البترول في لبنان برئاسة رئيس الاتحاد أديب برادعي، الالتزام بتنفيذ قرار المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام والداعي الى المشاركة في الإضراب الوطني العام يوم الجمعة.
في المقابل، أكّدت الهيئات الاقتصادية «ان لا علاقة لها على الاطلاق بالدعوة الى الاضراب، لأنّها على قناعة تامة بأنّ الاضراب قد يأتي بمزيد من الخسائر، خصوصاً قبل انعقاد القمة الاقتصادية العربية، ولطالما كانت الهيئات سبّاقة ومبادرة في اتخاذ المواقف والمبادرات الجريئة مع مراعاة التوقيت المناسب وتوافر شروط النجاح». بناءً عليه، دعت الهيئات أصحاب المؤسسات الى الاستمرار في العمل وبذل المزيد من الجهود حفاظاً على مؤسساتنا وديمومة عمل عمالنا وتدعيماً لاقتصادنا الوطني».
وأكّدت انّها لن تبقى مكتوفة الايادي أمام ما يحصل في البلاد وأمام وجع الناس وأصحاب المؤسسات، وهي تتحيّن التوقيت المناسب لاتخاذ موقف تصعيدي للضغط من أجل تشكيل الحكومة.
ايفا ابي حيدر – الجمهورية
يناير 3, 2019