
في ذكرى الشهداء و المفقودين في ١٣ تشرين الاول ١٩٩٠
دفاعًا عن الوطن . أريد ان اضع ما لدي من معلومات واقعية حول ما حدث في هذا اليوم الأليم في مركز دير القلعة في بيت مري .
في مطلع شهر تشرين الاول ١٩٩٠ ، بعد فشل كل محاولات التفاوض مع العماد ميشال عون ، تسارعت الأحداث ، فصدرت الموافقة الامركية و الإقليمية الى الرئيس حافظ الاسد بدخول الجيش السورى لبنان و إنهاء تمرد العماد عون و تطبيق إتفاق الطائف و تسليم الحكم الى السلطة المنبثقة عنه .
ففي تاريخ ١١ من هذا الشهر جرت محاولة فاشلة بقصد اغتيال العماد عون اثنا إلقاء خطاب له في قصر الشعب . عندها طلب العماد عون من مناصريه إخلاء باحات القصر حفاظًا على سلامتهم لعلمه بجدية الرسالة و خطورة القرار الداهم .
في مساء ١٢ منه حصل اجتماع في القصر الجمهوري في بعبدا حضره العماد عون ، مدير الامن العام اللواء نديم لطيف ، مدير المخابرات العقيد عامر شهاب ، العميد سليم كلاًس قائد اللواء الثامن و بعض كبار ضباط القيادة لتقيم الوضع الأمني بعد محاولة الاغتيال و بحث الوضع العملاني المرتقب .عرض اللواء لطيف و العقيد شهاب نسخ عن اوامر عمليات الوية الجيش السورى المشاركين في الهجوم صباح ١٣ت ١ . لكن العماد عون طمأن المجتمعين ان تسريب هذه الاوامر هي من باب التهويل كي يرضخ لرغبات مجموعة الطائف و لديه تطمينات من الرئاسة الفرنسية لعدم حدوث خرق للمنطقة الحرة . و تحدث العماد عون عن إرساله وفد يمثله الى دمشق للتفاوض مع الجانب السوري صباح غد في ١٣ ت١ . لم اقتنع من التطمينات كوني أملك معطيات موثوقة و إتصالات مباشرة من ضباط قادة رفاق لي في قيادة العماد اميل لحود عن حتمية الهجوم صباح ١٣ و فور مغادرتي الاجتماع ، انذرت جهاز المراقبة في كتيبة المدفعية تشديد المراقبة على طول جبهات التماس .
حوالي الساعة الرابعة صباحًا وردت إفادة المراقبة عن تحركات عسكرية سورية مشبوهة داخل بلدة عاليه تتجه الى جبهة سوق الغرب و الكحالة و الحدت و عن تجمعات عسكرية راجلة في احراش وادي نهر بيروت تتقدم من بقعة المنتفردي بإتجاه دير القلعة في بيت مري .أبلغت العماد عون فورًا و اقترحت عليه فتح نيران المدفعية الاستباقية لعرقلة تقدم المهاجمين .
حوالي السابعة من صباح ١٣ ، فور مرور الطيران السوري في اجواء القصر الجمهوري ووزارة الدفاع ،اتصل بي العماد عون للوقوف على المتغيرات المستجدة ، ابلغته ان هذه اشارة حاسمة في بدء الهجوم السوري للقيام بالعملية القيصرية التى تحدثت عنها وسائل الأعلام للسيطرة على القصر الجمهوري لانهاء تمرد العماد عون . و قد علمت لاحقًا أنه فور انتهاء المكالمة غادر العماد عون القصر الجمهوري مسرعًا في موكب من ملالتين الى السفارة الفرنسية في الحازمية .
ليل ١٢-١٣ ت ١ تقدمت وحدات الجيش السوري على عدة محاور بإتجاه بقعة إنتشار وحدات الجيش اللبناني التابع لقيادة العماد عون بهدف خرق الجبهة و الدخول الى حرم القصر الجمهوري في بعبدا و مبنى وزارة الدفاع في اليرزة .
هاجمت القوات السورية كافة الجبهات الساعة صفر في التوقيت المحلي اي الساعة السابعة صباحًا و حصلت معارك دموية شرسة في سوق الغرب و الكحالة و ضهر الصوان و الحدت و باقي الجبهات .
كما تقدمت صعودًا على الاقدام بين احراش الصنوبر من المنتفردى وحدة مختصة من الجيش السورى معدة خصيصًا لاحتلال مركز دير القلعة البعيد عن القصر الجمهوري و خطوط التماس و الذي لم يشكل يومًا بقعة عمليات قتالية مباشرة ، مما يثبت ان هدف العملية كان مهمًا جدًا للقيادة السورية من تفكيك أجهزة التنصت و شبكة الإتصالات و عتاد الرصد وحجز من يشغلها من اختصاصيين من فوج الإشارة و مديرية المخابرات . مما يعزز احتمال وجود جهة محلية شجعت القيادة السورية على ضرورة اقتحام المركز لمصادرة العتاد العسكري المتطور . هذه الغاية توضح التصميم على إدراج مركزًا لا علاقة له باقتحام القصر الجمهوري و إنهاء تمرد العماد عون هدفًا رئيسيًا تحديدًا دون التعرض لثلاثة مرابض مدفعية ١٥٥ ملم بجوار المركز تساند الجبهات . قبل الهجوم السوري حصلت مديرية مخابرات الجيش على معلومات تكشف العملية ، فقامت بنقل الاختصاصيين و العتاد الى موقع آمن . فتدنى عديد المركز من ثلاثون الى عشرة عناصر مدافعة . يجب الإشارة ان الموقع يتمتع باهمية استراتيجية كونه يشرف على مدينة بيروت و تلال عاليه و سوق الغرب و الشويفات و المطار و العبادية و ساحل انطلياس ، و يشمل آثار رومانية و كنيسة أثرية و دير للرهبنة الانطونية يتواجد فيه راهبان لادارة الممتلكات و خدمة المؤمنين .
طوقت عناصر الوحدة الخاصة المركز و عند السابعة صباحًا اقتحمته دون انذار . حصل اشتباك دموي مع المدافعين و سقط ضحايا من الطرفين . سيطر المهاجمون على المركز بسرعة و فوجئوا خلوه من العتاد و شعروا بالخيبة لعدم تحقيق الهدف المرتقب . فقاموا بالانتقام من المدافعين بتصفيتهم برمي القنابل اليدويه و فتح نيران البنادق عشوائيًا . ثم دخلوا حرم الدير بغضب حيث ضبط الأبوين البير شرفان و سليمان ابو خليل . تم استجواب الراهبين و نتيجة تحفظهما عن إعطاء معلومات مفيدة عن العتاد و عن مهمة عناصر الجيش . تم الانتقام منهما و لم يعرف هل اعدما أو اختطفا ولا يزال مصيرهما لغزًا و يفيد سكان جوار الدير عن وصول شاحنة للجيش السوري نقلت الجثث و الاحياء الى مراكز خلفية و غادر المهاجمون الموقع ولم يترك أي اثر يثبت ما حصل . اختلفت الأقوال حول مصير الجنود و الراهبين و لم يتم لاحقًا تحقيق من قبل قيادة الجيش حول ارتكاب التصفيات الجسدية و الفقدان القسري في دير القلعة و باقي جبهات القتال ،كما لم يتقيد المهاجمون بمضمون إتفاقية جينيف ١٩٤٩ و ملحقاتها . بقي مصير العسكريين و الراهبين غامضًا و مجهولًا كما هي حال كافة المخطوفين اللبنانيين منذ الحرب الاهلية لعجز الدولة عن اعتماد قرار موحد لكشف مصيرهم .
فور نداء العماد ميشال عون بعد وصوله الى السفارة الفرنسية قرابة الساعة الثامنة من صباح ١٣ ت ١ الى تسليم العماد اميل لحود قيادة الجيش و دخول الوحدات الخاصة السورية القصر الجمهوري ومبنى وزارة الدفاع توقف القتال تدريجيًا على كافة الجبهات و طويت صفحة أليمة من تاريخ لبنان الحديث .
هذا مثال عن مأساة شعب و مصير وطن تتكرر فيه الأحداث الدموية و تتزايد مصائب الشعب و يصبح الوطن كبش محرقه على مذبح المصالح الإقليمية والدولية .
عسى ان تنتهي هذه الصراعات و يحل السلام في ربوع لبنان.
المصدر: “اسرار الوطن”