
أعلنت جماعة الحوثي في اليمن قبل أيام فرض عقوبات على شركات نفط أمريكية كبرى ومديريها التنفيذيين وبعض ناقلات النفط الخام، في خطوة أثارت مخاوف جديدة بشأن أمن الملاحة في البحر الأحمر، ومستقبل التهدئة الهشة السارية منذ أشهر بين الحوثيين والولايات المتحدة.
ويرى محللون أن هذا “الرد الاقتصادي” يحمل طابعا رمزيا بالدرجة الأولى، لكنه ينطوي أيضا على مخاطر تصعيد محتملة قد تهدد الهدوء النسبي، الذي تحقق بفعل الهدنة بين الحوثيين والولايات المتحدة في أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
وفي 30 سبتمبر الماضي، أعلنت هيئة تنسيق العمليات الإنسانية التابعة للحوثيين في صنعاء إدراج 13 كيانا أمريكيا وتسعة أفراد وسفينتين ضمن قائمة عقوبات، متهمة إياها بانتهاك مرسوم حوثي يحظر تصدير النفط الخام الأمريكي.
وقالت الهيئة، وهي تعمل كجهة اتصال بين سلطات الحوثيين وشركات الشحن التجاري، في بيان إن الكيانات المدرجة “سيتم التعامل معها وفقا لمبدأ المواجهة”.
وتابعت أن هذه الخطوة تأتي في إطار الرد على الإجراءات “العدائية” ضد “الجمهورية اليمنية”.
ومن بين الكيانات المدرجة على قائمة عقوبات الحوثيين شركات النفط الأمريكية الكبرى مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون” و”كونوكو فيليبس” و”فيليبس 66″ و”ماراثون بتروليوم”، إضافة إلى رؤسائها التنفيذيين.
وشملت العقوبات ناقلتين تابعتين لشركة “دايموند إس للشحن” الأمريكية.
وقالت الهيئة إنها “ستستخدم جميع الوسائل والأدوات المتاحة لمواجهة أي إجراءات عدائية تُتخذ ضد الجمهورية اليمنية، وفقا للقوانين والأنظمة ذات الصلة”.
— رد مباشر على العقوبات الأمريكية
وتُعدّ هذه الخطوة من قبل الحوثيين “ردا مباشرا” على إجراءات عقابية أخيرة اتخذتها واشنطن. ففي الشهر الماضي فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 32 شخصا وكيانا وأربع سفن مرتبطة بالحوثيين، بدعوى مشاركتهم في عمليات تهريب وتمويل وهجمات.
وقال مستشار حكومة الحوثيين في صنعاء حميد عبد القادر، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام محلية: إنه “ليس من المعقول ولا من العدل أن نخضع للحصار والعقوبات ونبقى صامتين أمام هذه الإجراءات الجائرة”.
وتابع عبد القادر “أن هذه الخطوات اتُخذت لحماية حقوق الشعب اليمني في وجه الضغوط الخارجية المستمرة”.
من جهته، قال عضو المكتب السياسي للحوثيين محمد البخيتي، في منشور على منصة ((إكس)) إن قرار حظر صادرات النفط الأمريكية في مناطق سيطرة الجماعة “لا ينتهك الهدنة”، بل هو “إجراء مشروع للرد على الحصار الأمريكي المفروض على واردات الوقود إلى اليمن”.
وأضاف البخيتي أن “العدوان سيُقابَل بالعدوان، والحصار سيُواجَه بالحصار”، مؤكدا أن الحوثيين “لن يقبلوا معادلة أحادية الجانب”.
ويأتي الإعلان عن عقوبات الحوثيين بعد أشهر قليلة من الهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة عمانية بين الحوثيين والولايات المتحدة في مايو الماضي، والتي أدت إلى وقف الغارات الجوية الأمريكية مقابل التزام الحوثيين بوقف الهجمات على السفن الأمريكية في البحر الأحمر.
وأثارت إجراءات الحوثيين الأخيرة مخاوف حول مدى صمود هذا الاتفاق الهش.
— الهدنة على المحك
وحذر المحلل السياسي المقيم في عدن مقبل ناجي، من أن الخطوات الحوثية الأخيرة قد تُعرّض الهدنة للخطر.
وقال ناجي إنه “رغم تأكيد الحوثيين أن إجراءاتهم دفاعية، قد تفسرها واشنطن على نحو مختلف”.
وتابع “إذا تحولت التصريحات إلى هجمات فعلية على السفن الأمريكية، فإن الرد الأمريكي سيكون عسكريا، مما قد يقوّض الهدوء المحدود الذي تحقق ويعرض البنية التحتية اليمنية مجددا للقصف”.
ومنذ اندلاع الحرب بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل في قطاع غزة قبل عامين، تشن جماعة الحوثي هجمات على سفن في البحر الأحمر تعتبرها مرتبطة بإسرائيل، في خطوة تقول إنها “إسناد” للفلسطينيين.
وقبل الهدنة الأخيرة مع واشنطن، استهدفت جماعة الحوثي مرارا سفنا تجارية وعسكرية أمريكية وبريطانية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب.
ويرى محللون أن العقوبات الحوثية تفتقر إلى القوة القانونية والتنفيذية على الصعيد الدولي، إلا أنها تحمل رسالة سياسية واضحة، تتمثل في محاولة إظهار قدرة الجماعة على “الرد بالمثل” على الإجراءات الأمريكية وتعزيز خطاب “السيادة والمقاومة” أمام جمهورها الداخلي.
لكن من منظور استراتيجي، قد تتحول هذه الخطوات إلى مجازفة مكلفة. إذ أن ربط “قوائم العقوبات” بأهداف بحرية فعلية قد يفتح الباب أمام جولة جديدة من المواجهات، ويهدد أمن الممرات الملاحية الحيوية التي تمر عبرها نسبة كبيرة من تجارة الطاقة العالمية.
وأوضح ناجي أن “الحوثيين يعتقدون أنهم يطبقون مبدأ المعاملة بالمثل، لكنهم في الواقع يغامرون بسلام هش”.
“شينخوا”