
مبعوثوا هوليوود…والايحاء
يولي الغرب والولايات المتحدة لبنان *أهمية* خاصة نابعة من عدة اعتبارات راسخة في الذهن الغربي عامة والاميركي خاصة، منذ نزوله الى الشواطيء اللبنانية وخاصة بعد الاجتياح اليهودي 1982 وتفجير مقر المارينز في بيروت ومصرع حوالي الثلاث ماية جندي، فاق ما تكبدته اميركا أثناء العدوان على ثماني دول .
هذا الاهتمام الزائد وكثرة الوفود نابع من عوامل عدة بعضها معروف وأهمها :
1- الموقع الاستراتيجي للبنان على ساحة الصراع المقاوم- الاسرائيلي (بعد أن انجل الغبار العربي الاسلامي الذي كان يعنون الصراع العربي- الاسرائيلي)، إضافة الى راهنية هذا الكيان المقاوم الذي شكل نصرا” صريحا” ومباشرا” على الجيش الذي لا يقهر بالعرف التوراتي اليهودي الذي لم يشفع له ذلك بالصمود اربع وعشرون ساعة في العاصمة التي طالما حلم اركان حربه دخولها. وتوقفت احلام اسرائيل الكبرى عند مارون الرأس وبنت جبيل واخواتها ، بل بات الجليل غير آمن وغير قابل للحياة بوجود مقاومة لبنانية خبرها جنودهم على مر عقود، ومواجهات مباشرة واشهرها حرب تموز.
2- متصل بما قبله.إن وجود لبنان على الحدود مع الكيان بما عرف بدول الطوق، وكونه شكل الجبهة الحامية دوما” منذ العام 1979 وما بعد حرب 1973 مع مصر وسورية.
3- ما حصل بعد حرب الاسناد من كبوة للمقاومة لم تعهدها منذ أكثر من اربعة عقود، شكلت حافزا” للغرب الاميركي العبري القيادة لمحاولة القضاء على العقبة الاساسية المتمثلة بهذه المقاومة وراعيتها وظهيرها دمشق . وهذه الثنائية كانت حجر العثرة الأخير في مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي اعلن على المنابر العربية كافة 2006 بما فيها الشام ولبنان . والفشل الذي مني به
المشروع في حرب تموز 2006 تحول نحو الراعي المقاوم نفسه حرب عالمية شعواء في الشام. كان الخرق أصعب رغم إثخان الدولة بالجراح والحصار المالي_ الاقتصادي… سقط النظام بعد صمود 14 عاما”.
عاد المشروع اليائس الى الشمال الفلسطيني ( لبنان وجنوبه) الذي فاز به العبري بالنقاط وبالضربة الخادعة البيجر- ذكاء اصطناعي غربي من جهة وإخفاق تكتيكي _ إسنادي من جانب الجانب المقاوم.
هذا الواقع شكل الاوكسيجين الدافع لاحياء المشروع الشرق أوسطي المحتضر (مضافا” اليه آثار صدمة الطوفان الفلسطيني الدامي والمذل وأسر مئات الجنود اليهود بين ليلة وضحاها تبعها عامان من البطولة الاسطورية_ ليست موضوع المقال)
أعطى هذا الواقع نتنياهو جرعة أمل بالنجاة من نهاية كيان محتومة واقعا” خارجيا”، وداخليا” مدعوم بلاهوت توراتي يقض مضاجعهم دفع الداهية الراحل هنري كيسنجر الى شطب الكيان عن إحدى خرائطه للشرق الاوسط بعد العام 2025 وتم سحبها سريعا” من التداول بضغوط اللوبي.
كان وصول ترامب الى البيت الابيض بتعويم عبري وهو المفلس ( دون اعلان إفلاس وفقا” لتقارير صحفية، وعومته اليد الخفية بشروط الخضوع والطاعة) المرتهن لإرادة اللوبي المقرر ، فانطلق كالمسعور ينفذ ويعد بما لا يحلم به نتنياهو ذاته كونها وعود خرافية صدقها اليمين المتطرف واتخذها كبرنامج عمل.
وبروح التاجر المغامر ( المفلس) اندفع ترامب بمبعوثه هوكشتين يضع شروط التفاوض على وقف اطلاق النار أولا” بطريقة هستيرية لاقاه المفاوض من جانب المقاومة بأسلوب المكلوم لموت القائد ورفاقه والمأزوم بضعف موقفه السياسي المفاوض رغم أن العدو لم يتقدم خطوة واحدة او يثبت موقعا” داخل الحدود اللبنانية. وعلى وقع هجوم إعلامي سيادوي مهلل لما أسماه هزيمة للمقاومة متوعدا” بمحاسبتها هي وحلفائها.
أخذ العبري بالتفاوض الذي قادته السفارة الاميركية ما لم يأخذه بالحرب وثبت احتلاله لخمسة مواقع ثم أضاف آخر وآخر الى ما كان يطالب به الجانب اللبناني سابقا”.
هذا التنازل وسواه من قبول للجنة مراقبة برئاسة جنرال أميركي عميل، وسط غشيان مقاوم دفع بالأدارة الترامبية على هدير المقاتلات وطائرات الاغتيال. اليومي ( الدرون) الى طلب سحب سلاح المقاومة من جنوب الليطاني بعد شماله واستبدل هوكشتين بالحسناء الوقحة اورتيغوس وسرعان ما استبدلت بالعجوز الباسم على وقع “انتصارات” وهمية وتسجيل نقاط على المقاومة آخرها الاستحصال على قرار “نزع السلاح” الفارغ من أي مضمون أو قيمة من المنطلق الاميركي – العبري نفسه ( لا قوة فعلية له وأثره معنوي) شكل إرباكا” غير مبرر للمقاومة المربكة أصلا” على عكس ما يحصل بعيدا” عن وزوزات “الدرونات” من إستعادة التوازن الميداني المقاوم.
من هنا اندفع الاميركي بمبعوثيه وبمجموعة من الخيارات الخطرةيلمح هؤلاء الموفدون بها ، يؤكدها ما تسرب عن المصادقة على إتفاق يفضي الى مهاجمة عبرية_اميركية مباشرة لمواقع ومخازن وقيادات مقاومة على امتداد الساحة المقاومة في الضاحية والبقاع والجنوب من ضمنها 1200 هدف، تسابقها سياسة الوفود أو الوفد المتعدد العناصر الذي استعاد استحضار الممثلة اورتيغوس الى جانب براك والسيناتور العنصري ليندسي غراهام في ما يشبه المفاوضة على ظهر حاملة الطائرات .
لا عجب في ذلك في ظل انبطاح رسمي وتجحيش ( عفوا” تجييش، أخذ الكاتب بتوصيف باراك القصر الجمهوري بالاسطبل) سيادي محتفي بنصر جرادة صحراوية لحظت ورقة خضراء في فم أفعوان الهبه الحر والجوع فانقضت لتطفيء جوعها حتى الانتحار.
المشهد كما هو، السيناتور ليندسي غراهام يقصف صواريخ حقده عشوائيا” ويفجر الموقف بضرورة نزع السلاح قبل السؤال عن الموقف اليهودي، معززا” بقذيفة جرثومية أميركية من فم براك ( حيوانات) ، ونخب أورتيغوس الماجنة على شرف السياديين مشدوهين بكثرة الحراك الاميركي.
هذا الضجيج والتهويل الاعلامي وقدوم غراهام هو محاولة بائسة أخيرة لدفع أصحاب الرؤوس الحامية المبهورة بالاستعراض الهوليودي الاورتاغوسي لإشعال الداخل اللبناني قبل انفجار نظيره العبري المأزوم، أو ركوب القيادة موجة الانتحار النهائي بالهروب الى المواجهة التي هرب منها النتنياهو في السابع والعشرين من تشرين 2024 بعد سحب فرقة مؤلفة من عشرة الاف جندي مهشمة عن جبهة الجنوب ( طالبا” وقف اطلاق النار أو الهدنة التي أعلنها ترامب فورا”) في عز عجز المقاومة عن المبادرة بعد سلسلة نكباتها القيادية.
كما نلفت هؤلاء المخدوعين بالعربدة الجوية العبرية الى أن المعنيين اليهود بنوا مستوطنة تتسع ل800 الف مسكن جاهز ل 800 الف يهودي نازح من فلسطين في رومانيا، وهذه باتت تشكل أزمة بعدما رفعت عضوة البرلمان الروماني الصوت أزاء صمت زملائها عن ما وصفته بالمؤامرة مفجرة فضيحة مدوية متسائلة باستنكار:” أما تعلمتم مدى خطر هؤلاء على الدول التي نزلوا على أراضيها؟!!
كثرة الوفود وكثرة الزيارات لا تعني الانتصار ، إنما على العكس تماما” تحاول تحقيق منجزات فعلية من انتصار اعلامي استطاع تصوير اغتيال السيد ورفاقه القادة بمثابة نهاية للمقاومة وتنصيب رئيس وزراء موال في دولة طوائف لا يملك قرارا” أو قدرة على التنفيذ في حال إتخاذه.
إن كثرة الوفود والموفدين العبريين بثوب اميركي (لا يقل إجراما”) مدعوم سعوديا” ما هو الا محاولة لزج فريق من اللبنانيين لم يرعوي قادته من الاستثمار في دم مناصريهم لإرضاء مموليهم.
لكن في أوقات الشدة والضغط المرتفع تصبح هذه اللعبة قاتلة ومدمرة ( هذا ما أفصح عنه السعودي قبل الاميركي مصرحا” أنه :”لا مبال بنتائجه”).
لا قرار حكومي أو ضغط اميركي أو غارات عبرية قادرة على إخضاع مقاومة طالما كان النصر حليفها وكبوة لا تعني النهاية
فاتعظوا ايها العميان قبل أن يأتي أو يتوسع الطوفان.