
مرّت أيام على الجلسة التي عقدها مجلس النواب, وقرّر خلالها رفع الحصانة عن الوزير والنائب جورج بوشكيان. هذه الجلسة أثارت الكثير من الجدل, حيث يعرف القاصي والداني أنها كانت مُسيّرة بجزء كبير منها بالإعلام والشعبوية, وبجزء آخر بالقرار السياسي, وكان الضحية فيها بوشكيان نفسه.
قضية بوشكيان لم تأتِ من فراغ, بل هي امتداد لمسار سياسي بدأ منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي, حين رفض بوشكيان فكرة فرط الحكومة, وأصرّ على ممارسة دوره وواجبه الوطني بالمشاركة في جلسات مجلس الوزراء. حينها, قيل الكثير عنه في المقالات, ووُصف بـ”الوزير الملك”, كما تم الحديث عن الثمن السياسي الذي سيدفعه نتيجة قراره ذاك.
اللافت في الجلسة الأخيرة, والتي حاول بعض الإعلام تصويرها بما لا يعكس حقيقتها, أن غالبية النواب الذين صوّتوا لصالح رفع الحصانة لم يكونوا مطّلعين بما يكفي على الملفات المتعلقة بوزارة الصناعة. إضافة إلى ذلك, هناك نواب لم يمتلكوا الجرأة لقول كلمة “لا”, سواء بسبب قرار سياسي متّخذ على مستوى البلد, أو بفعل ضغط إعلامي وشعبوية فرضت خيارات لا تشبه قناعاتهم الحقيقية.
وما جرى مع بوشكيان شكّل, في جوهره, إعدامًا سياسيًا بامتياز. إعدام كرّس مجددًا قوة الأحزاب على حساب الأفراد, وأرسل رسالة واضحة مفادها أن كل رجل دولة اليوم قد يخشى اتخاذ قرارات جريئة في وزارته أو مركزه, خوفًا من أن يتحول إلى هدف للاتهام والإعدام السياسي, خاصة إذا لم يكن منتميًا إلى حزب معيّن.
وللرأي العام أن يعرف أن “خطيئة” بوشكيان الكبرى لم تكن الفساد أو التقصير, بل إنه لم يلجأ إلى الإعلام ليُضيء على الإنجازات والملفات التي عمل عليها خلال أربع سنوات في وزارة الصناعة. فصمته سمح للسرديات والسيناريوهات والشائعات بأن تتضخّم وتستهدفه, لتقوده في النهاية إلى ما قادته إليه.
واليوم, بعد مرور أيام على هذا القرار, تُطرح أسئلة مشروعة: هل جورج بوشكيان هو سبب كل الانهيارات التي يعيشها البلد؟
هل ثبتت عليه أيٌّ من التهم التي رُوّج لها في الإعلام وخارجه؟
وهل سيتجرأ بعض النواب على قول الحقيقة علنًا كما يقولونها سرًّا, ويعترفون بأن مجلس النواب قرّر, عن سابق تصوّر وتصميم, أن يخلق ضحية تُكمل مشهد الوزير السابق أمين سلام؟
والأكثر استفزازًا أن بوشكيان لم يُمنح حق الدفاع عن نفسه كما يجب. فلماذا لم يُسمح لمحاميه بتقديم مرافعته؟ ولماذا لم يتم التعامل معه كما يُتعامل مع أي نائب أو وزير آخر؟
هذه الأسئلة تبقى مطروحة أمام الرأي العام, في وقت يبدو فيه أن ما جرى مع جورج بوشكيان يتجاوز مجرد قرار قضائي, ليصل إلى حدود تصفية حسابات سياسية, واستكمال مشهدية أُريد لها أن تكون عبر التضحية به.
مع الإشارة إلى أن الأمانة العامة لمجلس النواب كانت قد أبلغت رسميًا محامي بوشكيان بضرورة المثول أمام الهيئة العامة لتقديم مرافعته قبل التصويت على قرار رفع الحصانة, إنما ما حصل, هو أن المحامي الذي كان حاضرًا مع مرافعته, مُنع من الدخول لتقديمها.