مقالات صحفية

“الموت بين الحروب وحوادث الطرقات” بقلم رئيس تجمع الصناعيين في البقاع نقولا ابو فيصل

منذ الاستقلال في العام 1943، عانى لبنان من سلسلة من الحروب والاقتتال الداخلي، خلّفت في مجموعها ما يُقدّر بـ 165,000 ضحية، معظمهم من المدنيين، في حرب أهلية دموية، واحتلالات، واعتداءات معادية متكررة، واشتباكات محلية مزمنة. هذا الثمن الباهظ دفعه اللبنانيون لأسباب سياسية وطائفية وخارجية، صار جزءًا من ذاكرتهم الجماعية، يُستعاد عند كل حديث عن السلم الأهلي المفقود.

لكن ما لا يدركه كثيرون، هو أن الطرقات اللبنانية حصدت أرواحًا تُقارب نصف عدد ضحايا الحرب. بحسب التقديرات، تسببت حوادث السير منذ عام 1943 وحتى اليوم بأكثر من 80,000 حالة وفاة، أي ما يعادل سقوط ضحية واحدة يوميًا على مدى أكثر من ثمانية عقود. انها مفارقة قاسية ومخيفة: في بلدٍ تعايش مع الخطر السياسي والأمني، لا تزال الطرقات تفتك بأبنائه بصمت. ضحايا الحرب يخلّدهم التاريخ والنصب التذكارية، أما ضحايا حوادث السير فغالبًا ما يُطوى ذكرهم في صفحة الوفيات، مع كثير من الحسرة، وقليل من المحاسبة.

إن الإهمال المزمن للبنى التحتية، ضعف تطبيق القوانين، غياب ثقافة القيادة الآمنة وتقصير بعض الوزارات في حماية مواطنيها، كلّها عوامل جعلت من السيارة أداة موت يومي. وبينما نُطالب بإزالة أسباب الحروب، علينا أن نُطالب أيضًا بإزالة أسباب القتل على الطرقات لأن الحرب الحقيقية اليوم قد تكون داخل سياراتنا، وفي غياب ضمير السائق والمسؤول .في النهاية، لبنان لا يحتاج فقط إلى هدنة سياسية، بل إلى سلم مروري، يعيد الاعتبار لحياة الإنسان، التي لم تعد مهددة فقط بالقنص والرصاص، بل أيضًا بـ”دعسة بنزين” طائشة في طريقٍ بلا رادع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى