
يقول العبقري اللبناني الراحل زياد الرحباني: “أنا مش ضد الله، أنا ضد اللي بيستعملوا الله.” وكلماته هذه تُعرّي الكثير من الادّعاءات الدينية الزائفة، وتكشف أن الله لا يحتاج إلى من يدافع عنه بالقتل ، بل إلى من يعكس وجهه بالرحمة .هكذا هو حال هذا الشرق الملعون الذي خُطّت حدوده بالدم وكتب تاريخه بالوجع، ولم تعد الحرب تحتاج إلى بندقية، بل يكفي “اسم الله” ليُشرعن القتل وتُزهق الأرواح . نعم في هذا العالم العربي المتناحر بات الدين أداةً للسلطة لا وسيلةً للخلاص ، وصارت الصلاة غطاءً للنفاق، والآيات والتدين مطية للفساد والحقيقة تُدفن تحت الركام، باسم “الحق الإلهي”. يقول الرب في الكتاب المقدس: “الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه”(1 يوحنا 4:16). فأين المحبة عندما تُقطع رؤوس وتُفجّر مساجد وتُهدّم كنائس باسم الإله؟
في لبنان، بلد التعدد الطائفي والمذاهب المتناحرة، يقسم شعبه الولاء للطائفة قبل الوطن ، وتعددت الشعارات من مظلومية إلى حماية المقدسات، لكن الرصاصة لا تسأل عن الهوية والدم واحد، كما أن القبر لا يميّز بين قاتل ومقتول.. تقاتلوا لعشرات السنوات باسم السماء، لكن الأرض تئن. اين نحن من الله، الذي قال في القرآن الكريم : “مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَو فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” (المائدة: 32)، الله ليس بحاجة لمن يقتل باسمه؟ إنّها إهانة للقداسة أن يُحمّل اسم الله وزر أحقاد البشر . فالمشكلة ليست في الدين، بل في المتدينين الذين جعلوا من العقيدة وسيلة لتخدير الجماهير وتبرير الجرائم، فصار كل خصم “كافراً”، وكل معارض “عدواً لله”.
لم نعد بحاجة إلى خطاب ديني جديد فقط، بل إلى وعي جديد يُدرك أن الله لا يسكن في خنادق سلسلة جبال لبنان الشرقية والشمالية ، بل في ضمير الإنسان، في عدالته، في احترامه للآخر. والى الكتاب المقدس اعود لأقرأ : “طوبى لفاعلي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون” (متى 5:9)، وأختم من القرآن الكريم الذي يدعو إلى مقابلة الإساءة بالإحسان، والتصرف بالخلق الحسن مع من أساء إلينا. فإذا قابلنا الإساءة بالإحسان، فإن العداوة تتحول إلى مودة وصداقة.“ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” (فصلت: 34). هذه هي إرادة الله: بناء لا هدم ، مصالحة لا كراهية ، محبة لا دماء . لبنان والعالم العربي لا يحتاجان إلى مزيد من الطوائف، بل إلى مزيد من الإنسانية. آن لنا أن نكفّ عن استعمال الله كذريعة، وأن نبدأ برؤية صورة الرب الحقيقية في كل وجه يتألم . فالله لا يُعبد بالدم بل بالسلام والمغفرة .