
في صباحٍ لا يشبه سواه، ارتفعت في بلدة تربل راية الطب الإنساني، حين فتحت أبواب المستوصف لاستقبال أبناء البقاع، ليس للتشخيص الروتيني، بل لتضميد وجعٍ صامت، لا يُرى بسهولة، ولا يُفهم غالبًا: داء الصرع. يومٌ مجانيّ، لكنه أغلى من كل الأثمان، نظّمته شركة Promedz Lebanon بالتعاون مع البروفسور غسان حميمص، فكان العلم فيه رديف الرحمة، والتشخيص مدخلًا لبوابة الرجاء.
في زحمة الأيام، قد يُنسى هذا الداء، وقد يُختزل في كلمة واحدة أو صورة مشوّهة في الذهن، لكن في هذا اليوم، كان التعريف به يُعاد من جذوره، تُفكك عقد الجهل، ويُعاد رسم الملامح الإنسانية للمرضى. فالبروفسور غسان حميمص، بخبرته الواسعة وهدوئه المحترف، قدّم شرحًا علميًا دقيقًا حول داء الصرع، مؤكدًا أنه ليس حكمًا نهائيًا على المريض، بل هو حالة قابلة للعلاج والمتابعة، شرط أن يُسارع الأهل في إدراك الأعراض والتعامل معها بوعي ومسؤولية.
الصرع ليس نهاية، بل بداية لرحلة علاج حقيقي
أوضح البروفسور حميمص أن الصرع ليس كما يُشاع “رعشة في الرأس”، بل هو خلل كهربائي في الدماغ، قد يكون عارضًا مؤقتًا أو مزمنًا، لكنه لا يعني أن الطفل أو الشاب محكوم عليه بالعزلة أو الفشل. وتابع:
“كلما كانت الاستجابة مبكّرة، كلّما زادت نسبة الشفاء أو السيطرة الكاملة على المرض. المتابعة الدقيقة، والأدوية المناسبة، والدعم النفسي من الأهل والمجتمع، تصنع فارقًا هائلًا في حياة المريض.
كما شدّد على أن دور الأهل لا يقتصر على تأمين الدواء، بل يمتد ليكونوا حاضنين لحالة طفلهم، متفهّمين لتقلباته، ساعين إلى اندماجه في المجتمع، وليس إلى عزله عنه. وأكّد أنّ الخطر الحقيقي لا يكمن في المرض، بل في الخوف منه، وجهل حقيقته.
حملات توعوية… صرخة في وجه التهميش
وفي لفتة إنسانية لافتة، تحدثت السيدة سلام رواس، مندوبة شركة Promedz Lebanon، فقالت بحسٍّ صادق ومباشر:
هذا المرض مش كتير من الناس بتعرف عنه… الكل بيتعاطف مع مرضى السرطان، أو MS، بس مرضى الصرع؟ منسيين! بيمنعهم المرض من المدرسة، من الطفولة، من الحلم… حتى المدارس بتخاف منهم، والمؤسسات بترفضهم!
كلماتها لم تكن مجرد تصريح، بل وجعٌ ينطق بلسان كثيرين صامتين. وأضافت:
نحنا بهالحملات، عم نقول للأهل: لا تستسلموا، في أمل، وفي علاج، وفي حياة طبيعية لأولادكن. المهم تسبقوا الوقت، وتكسروا حاجز الخوف.
وأشارت إلى أن التوعية ليست خيارًا، بل واجب وطني وإنساني، لأن الجهل بهذا المرض يؤدّي إلى المزيد من الألم والعزلة للمريض ولعائلته.
حتى طريقة تعريف الناس بالصرع بتكون غلط، لأن ما حدا بعد وصّف هالمرض صح. نحنا هون، لنوصل صوت الحقيقة.
المعرفة حياة… والتشخيص بداية الطريق
تميّز اليوم بجو من الاحترافية والدفء الإنساني، حيث استُقبل المرضى بمحبة، وجرى فحصهم بدقّة ومهنية. لم يكن الهدف فقط كشفًا طبّيًا، بل فتح بوابة الوعي في القلوب والعقول. عائلات خرجت من الصمت، وأطفال تنفّسوا بعضًا من الطمأنينة، وأملٌ جديد بزغ في سماء تربل.
في النهاية، كان هذا النهار المجاني في مستوصف تربل أكثر من مجرّد خدمة صحية. كان نداءً للكرامة، وصفحة من ضمير الطب الحيّ، وصرخة توعوية في وجه التمييز. لأنّ كلّ مريض يستحق فرصة، وكلّ إنسان يستحق أن يُفهم، لا أن يُخاف منه.
ومع مبادرات كهذه، لا يعود الصرع مرضًا يُخشى، بل تجربة تُواجه بالعلاج، والعلم، والحب.