مقالات صحفية

“انتخابات …أهداف ونوايا” بقلم الدكتور أنطون حداد

غريب أمر اللبناني ، كيف يعود للفرح ، كيف يعود للتحدي!!؟؟
هذا الحال نابع من عدة جوانب منها طبيعية:” نابعة من طبيعة الأمة التي تعيش دورة موت، لا للفناء ، انما من اجل التجدد وولادة جديدة تتمثل في أساطيرها من طائر الفينيق المنبعث من تحت الرماد، الى ادونيس المتغلب على الموت بقوة الحب ، الى يسوع الذي قهر الموت بموته وأحيا الميت، الى سعاده باعث نهضة الامة_ الانسان الجديد، الرافض للخضوع والاستسلام .
ومنها من طبيعة دخيلة على ثقافتنا رأت فيما تظنه لحظة مناسبة(ضعف) للانقضاض بأي شكل متاح على “مكمله الاجتماعي، أو من تشبث بما يمليه عليه تأثره بالخارج بالحفاظ على الديمقراطية “برستيج” شكلاني.
بالامس حرب ودمار وسرقة لقمة عيش الناس وودائعهم وطائفة لا تنتهي من الويلات والمآسي التي تزهق أرواح اللبنانيين وممتلكاتهم وحتى أخطرها، صلتهم بأرضهم ووطنهم بحثا” “واهما” عن بعض طمأنينة لم تعد موجودة بالمبدأ إن كانت موجودة في الاصل، ظنا” انه في الغربة سينالها وما ينقصه من الحاجات والحاجيات.
أفتتحت بالامس الجولة الاولى من الانتخابات البلدية والاختياراية في محطتها الاولى في جبل لبنان وكسروان ، ونترك الغوص في النتائج التي لا تمس الجوهر المقصود منها( المطلوب انمائي فقط) ، وكما يبدو واضحا” من هذا الكم الهائل من الضخ الاعلامي والحزبي الذي لولا الاخير لكانت مرت مرور الكرام خصوصا” في ظل الاجواء التي ذكرنا سابقا” وكتمت أنفاس اللبنانيين, وإن لم تقتل روح التحدي فيهم.
وترجع اسباب هذا الضخ الهائل وحملات التشويش لعدة أسباب منها اقليمي ومنها محلي(بالامكان الفصل بينهما رغم التناغم أو الطاعة من المتبوع):
1_ حاجة اميركا الى تأكيد أنتصار يشي بانتهاء المقاومة بعد الضربات التي تلقتها خلال ال66 يوما” وهي أميركا تدرك انه هرا ء وكلام صحافة مدفوعة الثمن مشكوكة الانتماء.انتهت حرب المقاومة واسرائيل، والاخيرة لم تحتل مترا” واحدا”( دون خداع المواثيق).
2_ اسقاط المقاومة وتجريدها من حاضنتها الشعبية المقلقة( تجوز كسر وفتح اللام) والمتماسكة.لكن القرار المقاوم كان باثبات العكس وليس من ادنى شك أن المقاومة توحدت بالدم أكثر مع حاضنتها خلال الحرب، ونتائج اقلام الاقتراع التي خرجت جاءت كالمألوف على الوعد. العهد.
3_ القوات اللبنانية كانت تريد أن تثبت أنها الاقوى على الساحة وخاصة الطائفية، وأنها أطاحت بالتيار البرتقالي الى غير رجعة ، ظنا” منها أن الاعلام والحشد الكلامي الاعلامي يصنع أنتصارات. فكانت الصدمة هجوم عوني مضاد، استعاد معه بعض هيبة أو ثقة بحضوره، ظن كثيرين أنها اندثرت أو قيد الاندثار.. فجاءت النتائج صادمة للكذبة التي ستنتهي بانتهاء الانتخابات. مع قناعة ضمنية لدى الجميع أن هذه الانتخابات في أرقى أشكالها لا تعبر عن قوة أو ضعف هذا الفريق أو ذاك، بقدر ما تعبر عن قوة العوامل الأولية كالعائلية والقرابة والماضي ( البيكوي، الافندي، الاقطاعي) والنجاح في نسج التحالفات بقصد النجاح وبغياب التخطيط والتنسيق ( باستثناء بعض البلديات الكبرى)
والغريب الاخر في اللبنانيين هو الاصرار على اعتبار انهم دولة رغم ما حصل تاريخيا” ويحصل اليوم . فمفهوم الدولة بالاساس الهوبزي ( عالم الاجتماع والسياسي هوبز) أو من خلال العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو رغم الاختلاف في المنطلقات بينهما، فالدولة كما باتت معرفة عادلة وذات سيادة , عادلة لأن ابناءها متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات وفق الدستور نتيجة تنازل أبناء تلك الامة أو الوطن أو الدولة عن بعض الحقوق طوعا” لها لتؤمن لهم الحماية والعدل بالتالي، وذلك لا يحصل دون نظام عادل استعيض عنه بخطاب القسم الرئاسي ليتقاسم الطوائفيين السلطة والبلد لا عدلا”، وباللا عدل وبالعرف منذ نشأة الكيان ثم تكرس في دستور الطائف نصا” ريثما يتم استكمال تنفيذ الاصلاحات وخاصة لجهة الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية( المادة التاسعة من الدستور) التي بعد ثلاثين عام لم يتخذ قرار بمحاولة إنشائها، فالى متى؟؟؟!! ناهيك عن ان السيادة اللبنانية تنتهك منذ نشأة الكيان العبري ، ورغم أن الفريق المقاوم والوطني في لبنان استطاع تكريس العداء لدولة الاغتصاب في الدستور وعقيدة الجيش العسكرية ، الا أن المدعين انهم سياديون عبروا عن فرحهم بالاحتفال والدعم أو بالمواقف وأتخذوا كل استعدادتهم لاستغلال ما حصل في ال66 يوما” من الحرب الاخيرة في الطلب بالاجهاز على قوة المقاومة بدل نصرتها , دون الالتفات الى احتلال عدد من المواقع رفع عليها العدو علمه وثبت نقاطا” استرتيجية عليها.
وخير تعابير عن ضلال أو سوء فهمهم اسس السيادة ووطنيتها اتت في شكرهم ،:” بفضل من اميركا والغرب والدول العربية” لمساعدتها لاخراج النفوذ الايراني من لبنان ، مع العلم ان البوارج الاميركية التي يرحب بها لبنان الرسمي على شواطئه كانت تقصف مقاومته والمدن الفلسطينية وأهلها،ومنها انطلقت الطائرات المشاركة مع العدو في قصفه لبنان، أضف أن أميركا ما الت تفرض الحصار المصرفي على لبنان .
رغم ذلك يصر اللبنانيون على إجراء الانتخابات مرارا” وتكرارا” ورغم جيوش خيبات الامل التي واجهوها بعد كل دورة انتخابية اجريت، انصرف خلالها أصحاب الشأن والمناصب الى استغلال التفويض أعظم استغلال للمنافع الشخصية والمحسوبية. يصرون على المشاركة بها رغم عدم جدواها على كل المستويات ، وإن كانت البلدية منها متبدية حاجة ملحة لانماء المناطق.
تبقى بقية الانتخابات من رئاسية ونيابية كاريكاتورية أو فلكلورية في أحسن صورها في بلد منهك ومستهلك ومدين حتى الانهيار والافلاس،في أعجب انتخابات أو تعيينات تتداخل فيها مصالح الدول الساعية لايصال مرشحيها الى السلطة انتخابا” أو تعيينا” ويطلقون عليها اسم دولة وديمقراطية . مع العلم أن منظر الديمقراطية الحديثة لصقور هو اميركا عاد وسحب كلامه بعدما قال:” أن الديمقراطية تنتشر بانتشار الشكل الانتخابي وتنتصر في العالم على ما عاداها من الافكار وخاص الشيوعية”. عاد وسحب كلامه لان عدم الاجتماع السياسي والسياسة بعتبران الديمقراطبة اكثر من هذا الشكل الفارغ للانتخاب الذي تظهر نتائجه المخيبة في الديمقراطيات الهجينة حتى في ارقى أشكالها خصوصا” بعد خضوعها لكارتيلات المال والنفوذ في من تعتبر نفسها أم الديمقراطيات اميركا التي انجبت في نسخاتها الاخيرالخرف بايدن والدب أو المعتوه ترامب.ولا تختزف فرنسا أو بريطانيا…
الديمقراطية لا تنتصر الا في وطن حر اختار ابناءه حريته مهما كلفتهم من دماء، وانخرطوا في المقاومة حتى التحرير ، وما بخلوا بعظيم التضحيات ، فالمقاومة تنبع من الشعب الذي يدعمها وهو الذي ينتج السلطة. فمن غير الجائز التضارب بين الاثنين. فالمقاومة سند الجيش تظهر عند هزيمته أو ضعفه في مواجهة أي عدوان تتعرض له سيادة البلاد،
من هنا لا يمكن أن تنتصر للجيش دون أن تنتصر للمقاومة ، مع أن العكس جائز في حال هزم الجيش ، فإن الغازي أو المحتل سيسعى لتركيب سلطة تخدم مصالحه وجل همها المناصب ونيل المكاسب والخضوع للأمر الواقع(فرنسا مع ديغول وحكومة فيشي، لبنان بعد الاجتياح ).
من يطالب بنزع سلاح المقاومة ، هم ذاتهم الذين يصرون على اجراء الانتخابات في هذه الظروف ولهدف واحد وهو تجريد المقاومة أو الاخصام من سلاحها الشعبي وبيئتها الحاضنة.
يبقى التساؤل : الى متى ستبقى هذه الرهانات الانتحارية ؟؟كيف نختلف على عدو مكرس في الدستور وعقيدة الجيش وعلى ماذا اذا” ممكن الاتفاق!!!؟؟ وبأي عقل نماشي العدو اليهودي ناقص العهود وناكر الحدود.؟؟
إذا سقطت المقاومة التي تجلدونها ، فأي منقلب ستنقلبون؟؟ والجلاد ذاته وبالسياط ذاتها ستجلدون
تواضعوا وعودوا الى الواقعية، الى وطنكم ومحيطكم الطبيعي به تزدهرون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى