
صدر عن النائب الدكتور بلال الحشيمي البيان الآتي:
في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان، وفي إطار النقاش المستمر حول اقتراح القانون المعجل المكرر المتعلق بحظر استقبال أو تحويل أو دفع أموال للنازحين السوريين، يسرني أن أؤكد موقفي الصريح الذي ينطلق من مبادئ الإنسانية وأولوية حماية مصلحة لبنان الوطنية.
لقد اعترضت على هذا الاقتراح خلال المناقشة في المجلس النيابي لعدة أسباب جوهرية، وهي أسباب ترتبط ليس فقط بمصلحة لبنان العليا، بل أيضًا بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. من خلال هذا البيان، أود توضيح أبرز هذه الأسباب التي دفعتني للاعتراض:
١. أهمية التعاون اللبناني-السوري
في ظل التحولات التي يشهدها الوضع في سوريا، فإن التعاون بين لبنان وسوريا أصبح أمرًا بالغ الأهمية. دولة رئيس الحكومة الأستاذ نواف سلام، في زيارته الأخيرة إلى سوريا، شدد على أهمية بناء علاقات مميزة بين البلدين، بما في ذلك التعاون الأمني والاقتصادي. هذا التعاون ضروري لتخفيف العبء الناتج عن النزوح ويساهم في خدمة المصلحة الوطنية اللبنانية. نحتاج إلى سياسة تضمن مصالح لبنان وتفتح أمامه آفاقًا جديدة في محيطه العربي.
٢. لبنان والانفتاح الإقليمي
لبنان لا يمكنه أن يتحمل العزلة أو القطيعة مع جيرانه في هذه الظروف الصعبة. سوريا بدأت اليوم تشهد تحولات على الصعيدين السياسي والأمني، حيث استطاع النظام السوري أن يثبت استقراره، مما يفتح المجال أمام تحسين العلاقات بين البلدين. في هذا السياق، يبقى المعبر السوري هو المنفذ البري الوحيد للبنان إلى العالم العربي. علينا أن نعيد بناء علاقاتنا الإقليمية بعقلانية وحكمة، بعيدًا عن سياسة الانغلاق التي لا تخدم مصلحة لبنان.
٣. التعامل مع ملف النزوح السوري
إن هذا الملف يتطلب حلولًا مدروسة لا يمكن اتخاذها عبر تدابير متسرعة قد تزيد من تعقيد الوضع. نحن ملتزمون بالعودة للنازحين السوريين، ولكن هذه العودة يجب أن تتم وفق آلية منظمة تحترم حقوقهم الإنسانية وتخفف العبء عن لبنان. في هذا الإطار، أطالب بتشكيل لجنة لبنانية-سورية مشتركة للإشراف على العودة بطريقة تضمن كرامة النازحين.
٤. إمكانية العودة الطوعية
تشير الأرقام إلى أن العودة للنازحين السوريين ليست أمرًا بعيد المنال. على سبيل المثال، وفقًا لبيانات وزارة التربية، عاد نحو 50% من الطلاب السوريين المسجلين في المدارس اللبنانية إلى سوريا. هذا دليل على أن العودة ممكنة لأن الظروف السياسية والأمنية أصبحت مستقرة. يجب أن يتم العمل بشكل مشترك مع الحكومة السورية والمجتمع الدولي لإيجاد حلول عملية تضمن العودة الكريمة للنازحين.
٥. إعادة توجيه الدعم الدولي
يجب أن يعاد توجيه الدعم الدولي للبنان لدعم العودة للنازحين إلى وطنهم، بدلاً من الاستمرار في تقديم الأموال نقدًا لهم داخل لبنان. ينبغي أن تركز المساعدات الدولية على دعم برامج العودة، وتعزيز البنى التحتية في سوريا، بما يضمن استدامة العودة وحياة أفضل للنازحين في وطنهم.
٦. العبء الكبير على المؤسسات اللبنانية
البلديات والمدارس والمستشفيات الحكومية هي الأكثر تحملًا للعبء الناتج عن النزوح السوري، وهي جزء كبير مدعوم من الأمم المتحدة أو الجمعيات المحلية والدولية. هذه المؤسسات يجب أن تُعطى الوقت الكافي للتكيف مع الواقع الجديد. وعلى الحكومة أن تدرس هذا الملف بعناية وتتيح فترة انتقالية مرنة لتخفيف الأعباء عن المؤسسات اللبنانية.
٧. حلول شاملة ومتوازنة
بناءً على ما سبق، نؤكد أن أي حل لمشكلة النزوح يجب أن يكون شاملاً ومتوازناً، ويجب أن يحترم حقوق الإنسان ويحفظ مصالح لبنان. لذلك، اعترضت على اقتراح القانون بصيغته الحالية، وأؤيد طلب رئيس الحكومة باسترداده لمزيد من الدراسة والتشاور مع جميع الأطراف المعنية. الحلول لا يمكن أن تكون متسرعة، ويجب أن يتم الحوار بشأنها بشكل شامل يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية، الاجتماعية، والاقتصادية لهذا الملف.
لبنان بحاجة إلى حلول متكاملة وعادلة تنبع من التعامل الحكيم مع ملف النزوح السوري. الحلول لا يمكن أن تكون مبنية على ردود فعل متسرعة قد تؤدي إلى تبعات غير محسوبة. نحن نؤيد عودة النازحين السوريين إلى وطنهم، لكن يجب أن تتم هذه العودة عبر آلية مدروسة تضمن حقوق الجميع وتخفف الأعباء عن لبنان.
إننا نؤمن بأن لبنان قادر على أن يكون نموذجًا في كيفية التعامل مع الأزمات الإنسانية منذ ٢٠١١. لبنان أثبت تعامله مع النازحين السوريين والوقوف جنبهم في أصعب الظروف. يجب أن تكون سياساتنا مبنية على العدالة والإنسانية. في هذا السياق، أؤكد أننا جميعًا مسؤولون عن بناء لبنان المستقبل، الذي يتسم بالتعاون والعدالة والرؤية الحكيمة التي تحفظ كرامة الإنسان ومصلحة الوطن.