مقالات صحفية

“سيف الباطل …وسيف الحق” بقلم الدكتور أنطون حداد

يوم بدأ مشروع تدمير دول المنطقة العربية بأوامر من الادارة الاميركية المتصهينة الذي تأخر عن تاريخ اعداده في الثمانينات على يد برنارد لويس وتبناه برجنسكي والادارات الاميركية المتلاحقة، الى أن وصل “الزعيم ” المسلم_ الماسوني صاحب الانامل الناعمة مهندس “الحروب الناعمة” بعد الشيطانين بوش الابن والابن ليوضع المشروع على نار حامية.
اسقطت العراق على دفعتين وبالضربة القاضية مع بوش الابن فانفرجت أسارير تركيا بانحلال دولة ركيزة من ركائز القوة( احتمى بها العرب خوفا” من ايران) والتوازن في المنطقة، ولم تكن الدولة اليهودية بأقل غبطة وحبورا”.
بسقوط العراق ( اذا ما حيدنا مصر قليلا” لبرودها المؤقت مع كامب ديفيد وايران التي كاتت تلملم قواها، وببعدها النسبي عن المواجهة المباشرة) سقطت الرجل الرابعة لطاولة التوازن فاختل الشكل الهندسي واصبحت هذه القوى على خط واحد نسبيا” تتوسطهم سورية الاسد مطمع ومطمح القوتين( جميعهم يحكم دكتاتوريورية الحزب الواحد المموهة بقالب ديمقراطي) .
تنكبت سورية عبء المواجهة الشبه مباشرة مع اليهودي والغير مباشرة مع التركي، الذي ما هادن ولا استكان رغم لعب اردوغان دور الداعية والقائد الجامع للعالم الاسلامي والانفتاح العلني على العرب بعد أن يئس من مسألة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي التي فشلت اميركا في التسويق لها رغم انضمامه لحلف شمال الاطلسي.
كانت سورية الاسد بشار تطمح لعدة اسباب لملاقاة اردوغان الى اكثر من نصف الطريق وجعل الصراع مع العبري المشروع الاساس، فكان طلب الود والامان مع “العثماني الجديد ” وانفتحت العلاقات بين البلدين حتى تغلغل التركي الى الجذور الثقافية، وعشش تحت أحياء حمص بعدما “خلد” الارض، بالتواطؤ مع عمدة حمص (بالتخفي خلف أعمال البنى التحتية).
هبت رياح المشروع السابق الذكر على عدد من الدول العربية تحت مسمى “الربيع العربي” كتونس ومصر والسودان والصومال وحدثت ثورات أطاحت أنظمة مبارك وبن علي ودخلت سورية “النظام الصلب” والمجتمع النامي بشكل مفاجيء لكثيرين, بما فيهم النظام ذاته وعمت المظاهرات السلمية العديد من المدن السورية والتي سرعان ما تحولت الى دامية دخلتها جيوش من الاوباش المتطرفين تحت عشرات المسميات من أنحاء العالم.
كان العثماني “الحليف أو الصديق الخائن” المجند والمدرب والداعم وبوابة العبور لجيوش القوقاز وجمهوريات البلطيق الاسلامية التركمانية الهوية .
استطاعت سورية بدعم حلفائها من وقف المد المدعوم من اميركا وحلفائها استخباراتيا” ولوجستيا”، وماليا” من العربية السعودية وقطر (باعتراف حمد بن جاسم التي صرفت مئات المليارات) من الصمود ومن ثم استعادت ما خسرته الدولة حتى حدود درعا وبعض المناطق.
نام الاسد على انتصار مؤجج بالاحقاد مع الصديق أردوغان ، والاخير لم يستفق من الحلم العثماني بضم حلب وحماه والصلاة في الجامع الاموي وما أمكن طالما تسمح الظروف كما أعلن في مهرجان حاشد بعد الانتصار وسقوط الاسد:” حلب ادلب حماه ودمشق هي ولايات تركية ” وكذلك صرح رئيس مجلس الشعب انها ستضم الى السلطنة المنشود احيائها ، فكان له ما أراد بعدما انهكت سورية بالحصار وسرقة الموارد خارجيا” والفساد والكساد والرشاوى والفقر داخليا” فسقط النظام بشكل لم يتوقعه إلا قلة من العارفين وكثرة من الاغبياء والحاقدين.
سقطت الدولة ودخل الفاتحين “الامويين الجدد” بسيوفهم وتاريخهم الدموي الاغتصابي الهمجي الى ساحة الامويين وتملكوا بلاط قصر الشعب احتفالا” بالانتصار . فيما كان الداعم والمخطط الاساس يعلن ضم المحافظات السابق ذكرها وكان العدو يرسم بالنار وجنازير دباباته حدود الارض التي يسيطر عليها وسط نشوة الاسود والضباع في اتفاقهم على لذة الغنيمة وذمجرتهم بوجه بعضم حول الاحقية بهذا العضو او ذاك من الضحية .
بسقوط سورية الدكتاتورية الارهابية بزعامة الاسد وجماعة السجون والكبتاغون كما صور اعلام الغرب والعرب واردوغان ونتنياهو. والاخيرين تسيدا المشهد في جو من الاستعراض والتفاخر والعربدة العسكرية وخاصة الجوية العبرية وتثبيت مواقع جديدة على الاراضي السورية..
بسقوط دكتاتور سورية باتت الطاولة على قدمين مترنحة. وفي حديث نتنياهو أو أردوغان عن سقوط الاسد تظن أن واحدهما يتكلم عن الاخر (لا يتكلم واحدهم عن نفسه لأنه لا ير حدبته)، بعيدا” عن “الانجازات” الخارجية الواهية، باعتبار أن لاردوغان اليد الطولى في سقوط الاسد الذي لم يغير شيئا” في المشهد التركي المتداعي٫ إذ أن هذا المحتل سرق كل شيء من سورية أثناء العدوان عليها, من المصانع حتى الحمامات الشامية (موثق بالصور)، وربطت تركيا اقتصاد المناطق المجاورة باقتصادها وعملتها…بمعنى أن تركيا لم تغنم جديدا” بما حصل سوى إسقاط من لم يرض مصافحة اردوغان قبل انسحابه من الاراضي التي احتلها .وأحل محله جماعة “الجولاني” البربرية التي لا تفقه السياسة والاقتصاد، العميلة لاسرائيل واميركا، ولكنها تطمح لنيل رضا السعودية القادرة الوحيدة على تثبيت حكمه أذا ما امنت له الدعم المادي في حال سمحت اميركا لها بذلك. بمعنى أن لا مكاسب اقتصادية أو حقيقية، مع استحالة عودة اللاجئين السوريين الذين يستنزفون الاقتصاد والامن الاجتماعي لتركيا الدولة.
وما جنته تركيا المريضة من سقوط الاسد واحتفال اردوغان هو تلميع لصورته التي تهشمت في الداخل التركي بعد الازمات وخاصة المالية وتسييل القطاع العام(خصخصته بعد أن كان يشكل 60%) والخارج على المستوى العالمي :”بخيانته لحليفه بوتين في سورية واغتنام فرصة انشغاله في الحرب الاوكرانية” كما قال المفكر الكسندر دوغين.
أردوغان بالاطاحة بالاسد فقد دوره الوظيفي الاساسي بالنسبة لاميركا واسرائيل، وهو وبلاده من بعده كانت “البعبع” الذي ترهب سورية جانبه في حال ارادت المواجهة مع العدو خصوصا” بعدما فشل الاخير في حرب تموز 2006 في مواجهة المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله وكان لدخول سورية الحرب ( قيل الكثير في ذلك)، أن يغير الموازين وقد فرغت مخازن العدو من الذخائر وامدتها اميركا بجسر جوي مباشر انذاك . واسرائيل هي التي طلبت على عجل وقف اطلاق النار بوساطة قطرية ( بعد أن كانت ترفض التفاوص كما قال وزير خارجية قطر الذي دق بابه ليلا” على عجل لأجل ذلك وقد تكر المشهد ذاته في حرب ال66 رغم الضربات التي وجهتها طائراتها للمقاومة في لبنان).
اردوغان الدكتاتور الذي يطمح لاستعادة الامجاد العثمانية بتوسيع دائرة نفوذه الممتد في القوقاز وغرب اسيا مهددا” تارة روسيا بالجمهوريات الست الاسلامية، وطورا” اميركا بتشبهه بها بنشر قواعده كثاني أوسع انتشار دولة خارج اراضيها (اميركا تغطي ذلك بطبع دولار لا قيمة حقيقية له، وبابتزاز بعض الدول كاليابان والخليج ليمولوا أما هو فعاجز).
في حين أن الوضع الاقتصادي الداخلي يشهد انهيارا” غير مسبوق أولا” لليرة التركية التي تضاعف هزالها أمام الدولار الاميركي، أو هزال شعبيته نتيجة لذلك ولدكتاتوريته وبذخه في ظل الازمة الاقتصادية كبناء القصر الكبير الذي كلف ما ينيف عن المليار دولار أو في شراء صفقة الصواريخ أس 400 الروسية بملياري دولار وادت الى فرض ترامب ذاته بولايته الاولى عقوبات على تركيا أضعفت اقتصادها أيضا”. أضف الى ذلك تحويله كنيسة آجيا صوفيا الى جامع ما أثار نقمة المسيحانية الغربية والشرقية على حد سواء.
وعلى المستوى الشعبي كانت خسارته لبلدية اسطنبول الاخيرة علامة فارقة في سجله السياسي ومن رئاسته لهذه البلدية وبلسانه قالها “من بلدية اسطنبول الى رئاسة تركيا” وكان له ما اراد. وبعد اربعة وعشرين عاما” تنقلب الاية ويرى ب إمام أوغلو الواعد أردوغان جديد الحيوي يطيح بأردوغان المريض في الانتخابات القادمة، فبالضربة الدكتاتورية المعهودة أي توجيه تهمة الفساد أو الرشوى أو التقصير حاول استباق الامور والاطاحة به، فدق آخر اسفين في نعش عرش دكتاتوريته المترنح وباتت الكلمة في الشارع لا يسترها السجن ولا تمحوها خراطيم المياه على المتظاهرين الذين لن يتراجعوا حتى الحرية لرئيس حزبهم ورئيس بلديتهم التي ستتوج بتربعه على عرش تركيا مكان الملك المخلوع الذي حسب المفكر الروسي الكسندر دوغين خسر مكانته بين الكبار بلعب الاعيب الدول والزعماء الوسط بخيانته لثقة بوتين به: ” الخيانة من شيم الدول والزعماء الوسط… وقد خسر اردوغان ثقة موسكو بخيانته لبوتين في سورية، الذي لن ينتقم ولكنه لن يأبه بمصيره” مع العلم أن بوتين وايران انقذاه يوم تعرض لمحاولة الانقلاب للإطاحة به فخانهما. ولم يعد يرضي اميركا بعد استنفاذه ويشكل خطرا” بوجوده على حدود روسيا وتهديدها بجوارها المسلم في القوقاز وغرب آسيا، القطعة الاهم على رقع الشطرنج الاميركية البرجنسكية القائلة:” من يسيطر على القوقاز وغرب آسيا يحكم العالم” ولن يسمح له، وأتت فرصة التوافق الروسي الاميركي.
أما الدكتاتور دراكولا العصر “مصاص الدماء” اليهوهي نتنياهو قاتل الاطفال( ليس استثناء” يهوديا” ويطالب بالمزيد وعلنا”) الذي طالما كان يناشد اميركا دعم الدولة اللبنانية دون تسليحها(كما يحصل اليوم) لتبسط سلطتها على كامل الاراضي اللبنانية والمقصود الجنوب لتحميلها مسؤولية اي خرق مقاوم تجاهها أو لوضعها في مواجهة المقاومة، بالمنظور ذاته طالما نظر هو ومن سبقوه أن أمن اسرائيل يتم بوجود دول وانظمة ضعيفة على حدودها (كان بالتسيق مع الاتحاد السوفياتي باستثناء الرئيسيوري اندروبوف الذي اطيح به لذلك (برأينا المتواضع) بعد عامين من تسلمه السلطة زود خلالها سورية بصواريخ استراتيجية منها أرض جو اسقطت الطائرات الاسرائيلية والاميركية فوق لبنان).
لذلك كانوا دوما” يدورون في دوامة محاولة إسقاط الاسد أم لا( كما ابيه حافظ) خوفا” من انفلات حدود البلد بيد المقاومة والاحزاب المناهضة لها خصوصا” مع التزام ال الاسد ببنود هدنة1973 (لاسباب قلنا منها وجود العدو التركي على الحدود الشمالية والدعم المشروط والمحدود السوفياتي ثم الروسي واستفراد سورية بعد كامب ديفيد وخروج مصر والعراق من الساحة المقاومة).
جاء طوفان الاقصى رغم كل التحليلات السلبية والتحفظات على توقيته ودوافعه( الكسندر دوغين، وعدنان ابراهيم:” المجتمع اليهودي كان يتفكم ويتحلل من الداخل” فانقذوه ) ليكشف هشاشة الكيان العسكري العبري رغم انه ثكنة غربية متقدمة، ورغم تطور عتاده وذلك لضعف قواه البشرية وجبنها، ويضع وجود الكيان على المحك بعد تحكم جبهة الاسناد اللبنانية المقاومة بالجبهة طيلة اربعة عشر شهرا” ادت الى توسع الهوة بين أبناء الجاليات اليهودية المتفرقة المشارب والالوان والثقافات .وكاد المجتمع أن ينفجر لو تحول الاسناد الى هجوم للمقاومة من لبنان، أو لو لم تهرب القيادة العبرية الى الامام في خطوة مخاطرة “موفقة” لم تقابل بموقف حاسم من المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله الذي اخترق من عدة نواح تقنية ولوجستية ما منعته من سحق القوات الاسرائيلية المهاجمة على الرغم من ركام الابنية والارض المحروقة والقيادة المغتالة برمتها .
وليذكر الجميع أن الاسبوع الاخير الذي هاجمت به النخب العسكرية والمشاة لبنان بدأت فرقها تنهار وسحبت اولاها من لواء النخبة الجولاني في اليوم الثالث أو الرابع مدمرة ( الفرقة تضم 10000 الاف جندي ) ولو عطلت المقاومة المفاوضات لاسبوع آخر مهما علت التضحيات لانهار الجيش العبري بأكمله حينها، إذا لم تسبقه الحرب الاهلية التي كانت تنادي باسترجاع ابنائها عن الجبهات التي باتت عاجزة عن تأمين عديد جنودها ، أو لاسترجاع ابنائهم الاسرى( ورسالة القنابل الصوتية على منزل نتنياهو خير دليل).
هكذا جرت المعركة على الاقل بفشل استخباراتي وفشل في التعامل مع المهاجمين من غزة في 7 أكتوبر أو في القضاء على المقاومة أو في تحرير الاسرى أو في إعادة مئة الف نازح الى الجليل وتلافي الازمة والتكاليف المترتبة على نزوحهم في مجتمع يرزح تحت وطأة الحرب وبات يستهدف بالصواريخ من 5 جبهات مباشرة ( غزة، لبنان، العراق، اليمن ، ايران، وسورية لن تتأخر بالعودة)، ما لم يحصل في تاريخ الكيان من قبل في ظل أوضاع اقتصادية لا حاجة لوصفها في دولة استنذفتها الحرب وتداركها الغرب (والتركية بالمقارنة أفضل منها بكثير) في ظل هروب العقول والرساميل والصناعات التكنولوجية والاستثمارات الجامعية الغربية منها….
كل هذا يقول لنتنياهو لن ينفعك الهروب الى ما لا نهاية هذا الهروب الذي وصفه دانيال ليفي:” سوف يضطر بدعم خرافة ترامب للاستمرار بالتوسع وبدعم سموتريتش وبن غفير المعسكر المسياني المتطرف ال الاستمرار في الانحدار” والاطاحة بهذا القائد أو الوزير أو الجنرال لن يغير مصيرك ومصير دولتك.
ما حصل مع الاسد وسورية البعث يحصل أو حاصل مع أردوغان وتركيا “العدالة” والتنمية وسيستكمل معك نتنياهو و”الثكنة الكيان” وستكون بن غوريون الجديد،لكن الذي كتب نهاية الكيان التي تخوفمنها وكتب لها آخر “عقلاء” صهيون ومفكريها بقوله:” إن دولتنا دخلت مرحلة اللا رجعة وستنتهي خلال عشرين عام القادمة ونحن نعمل على تأخير هذا القدر” وقد آن الاوان .
لك نتياهو وزميلك اردوغان: ما تمنيت لجارك تلاقيه بدارك.
وكما أخذتم بسيف الباطل والارهاب يأخذكم الان بسيف الحق ودماء الشباب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى