مقالات صحفية

“دمشق تريد منازلة حزب الله” بقلم الكاتب السياسي جوني منيّر

من الواضح أن المنطقة تزداد تعقيدا، ما يعني أن على لبنان أن يحاذر في خطواته وهو الذي ما يزال في مرحلة نقاهة محفوفة بالمخاطر. وما قرار دمشق بإرجاء اجتماع وزيري دفاع البلدين ونقله الى السعودية إلا دليلا إضافيا على ذلك.
فالتذرع بأن الإرجاء مرتبط بالإستعدادات السورية لتشكيل حكومة جديدة بدا حجة ضعيفة سرعان ما تبددت مع الإعلان عن نقل الإجتماع الى اليوم التالي ولكن في السعودية. ذلك أن الإستعداد لتشكيل حكومة جديدة لا يفترض إعلان الإرجاء في اللحظات الأخيرة، أضف الى ذلك أن التحضير لتشكيل حكومة جديدة لا يستدعي أصلا إرجاء الإجتماع، خصوصا وأن السلطة هي بيد الرئيس أحمد الشرع وبالتالي فإن وصول حكومة جديدة لا يعني حصول انقلاب في التوجهات السياسية للحكومة. الواضح أن دمشق تريد اتفاقا مع بيروت تضمنه السعودية. وبات معلوما أن ملفات عدة تشكل قضايا شائكة وعالقة بين البلدين، بدءا من مسألة إعادة اللاجئين السوريين الى بلدهم ووصولا الى الأوضاع الأمنية المتوترة عند الحدود بين البلدين في منطقة الهرمل. وليس خافيا أن دمشق كانت مستاءة جدا بسبب تدخل الجيش اللبناني في الإشتباكات التي حصلت في حوش السيد علي والتي أدت الى إخراج المجموعات السورية المسلحة من الأراضي اللبنانية. ونقل عن المسؤولين السوريين بأن دمشق تعتبر بأن المواجهة كانت دائرة مع مجموعات من حزب الله كانت تستخدم هذه المنطقة كممر لها، وأنه لم يكن من المفترض أن يتدخل الجيش اللبناني في المعركة.
في الواقع ارتفع منسوب القلق لدى السلطة القائمة في سوريا نتيجة التحركات والإعتداءات الإسرائيلية في جنوب سوريا، وجراء عدم نجاح السلطة في تحقيق أي تقدم ملموس على مستوى إحكام إمساكها بالوضع الداخلي، وهو ما يفتح الفرص أمام إيران للنفاذ من جديد من خلال الثغرات المفتوحة. وما زاد من صعوبة الواقع هي الأوضاع المستجدة داخل تركيا والتي تعتبر المظلة الراعية للسلطة السورية الجديدة.
ففي الجنوب السوري تواصل إسرائيل خطواتها سعيا لتأسيس وجود دائم لها. وهي تعمل على المزيد من إضعاف قدرات الدولة السورية من خلال مهاجمة ما تبقى من مواقع تخزين الأسلحة الثقيلة إضافة الى القواعد البحرية والجوية. وقد تكون إسرائيل تعتقد بأن الظروف مؤاتية جدا لترتيب الوضع في الجنوب على قياس مشاريعها كون السلطة السورية ضعيفة ومربكة وهمومها تتركز على طمأنة العواصم الغربية بهدف إزالة أو حتى تخفيف العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها. فالضعف الأمني في الداخل مرشح لأن يزداد في حال استمرت المصاعب الإقتصادية بالتفاقم. ومن هذا المنطلق تعمل إسرائيل على تعزيز شريطها الأمني في الجنوب السوري إضافة الى سيطرتها على قمة جبل الشيخ حيث ركزت مرصدا عسكريا يطل على دمشق وعلى بعد 30 كلم فقط. من الواضح أن إسرائيل تعمل على تغيير الواقع الجغرافي وعلى ترتيب وجود دائم لها. ومن هذه الزاوية يجب النظر أيضا الى المخاطر الإسرائيلية المطلوبة من جنوب لبنان. فليس من المنطقي الإعتقاد بأن نتنياهو يؤسس لوجود دائم وسيطرة كاملة في جنوب سوريا ويترك جنوب لبنان على حاله.
ولكن العواصم الغربية لا تريد للإدارة السورية أن تنهار. لذلك انفتحت عليها واشنطن ولو سرا وبشروط محددة. كما سارع الإتحاد الأوروبي لتحضير مساعدات سنوية بقيمة 2,5 مليار يورو إضافة الى درس إمكانية تخفيف العقوبات.
كذلك روسيا لم يعد في مصلحتها انهيار السلطة القائمة. فهي تتمسك بقواعدها العسكرية البحرية في طرطوس والجوية في حميميم عند الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط. ولذلك عمدت الى إرسال عدة ناقلات نفط وبمثابة دعم روسي للطاقة، رغم العقوبات المفروضة على سوريا. ومن البديهي الإعتقاد بأن الخطوة الروسية والتي تحتاجها دمشق بشدة لا بد أن تكون منسقة وبشكل مسبق مع واشنطن.
لكن منسوب الخطر إرتفع مع الأوضاع الجدية التي هزت الداخل التركي. وهي أحداث لا بد أن طهران تراقبها عن كثب. ذلك أن أي اهتزاز في وضع أردوغان ستستفيد منه إيران حتما. ذلك أن الرئيس التركي كان أنجز تفاهما كاملا مع إدارة ترامب حيال الدور الجديد لتركيا في المنطقة إنطلاقا من سوريا وعلى أساس ضمان إبعاد إيران عن كامل الساحة السورية. وهءا ما يفسر الى حد بعيد غض النظر الأميركي عن خطوة اعتقال زعيم المعارضة التركية والمنافس الرئاسي القوي لأردوغان. وبالتالي فإن أي اهتزاز في وضع الرئيس التركي سيعيد إحياء آمال إيران باستعادة شيئا من حضورها.
لكن في المقابل يشتد الضغط الأميركي على إيران للوصول الى التسوية المنشودة والتي تطال ملفات النووي وتحديد مدى الصواريخ ووقف كل أشكال الدعم للقوى المحسوبة على إيران والمتعارف على تسميتها بأذرع إيران.
لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه بدأ يغرق في المشاكل الداخلية. صحيح أنه يقوم بتوجيه ضربات جدية تستهدف قدرات الحوثيين بعد أن أصبح هؤلاء الذراع العسكرية الضاربة الوحيدة خارج إيران، إلا أن أزمة ما بات يعرف ب”سيغنال غيت” تمنح معارضيه ورقة قوية لمهاجمته. ومنذ دخوله مجددا الى البيت الأبيض بدا أن الشرق الأوسط يحتل حيزا مهما من استراتيجية فريق ترامب. فعدا سعي إدارة ترامب لإغلاق منافذ الشرق الأوسط أمام التقدم الصيني، فإن للمنطقة فوائد إضافية لترامب الذي ينظر الى العلاقات مع دول الخليج الغنية من منظار واسع. فهو يراهن على علاقات وثيقة معها ستساعده في سياسته لتعزيز الإقتصاد الأميركي، وهو الذي يطمح لاكتساح الإنتخابات النصفية في العام 2026، وبعدها خوض مغامرة تعديل الدستور ليصبح له الحق بولاية ثالثة. من هنا فإن أزمات ترامب الداخلية قد تجعله أكثر شراسة وربما تهورا في سعيه لترويض إيران.
من هنا هنالك من يتوقع زيارة عاصفة لمورغان أورتاغوس الى لبنان. ذلك أن واشنطن تريد ضغطا جديا على حزب الله في لبنان، وفي الوقت نفسه تريد دمشق فتح المنافذ الحدودية أمامها لمواجهة حزب الله ولكن من دون الإصطدام بالقوى العسكرية الشرعية اللبنانية.
ومن المنطقي الإعتقاد بأن أورتاغوس ستكون متناغمة مع السياسة التي يحملها مبعوث ترامب الى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. وبالمناسبة فإن حساسية وزير الخارجية ماركو روبيو ارتفعت تجاه ويتكوف بعدما شعر بأن الأخير يتولى رسم السياسة الأميركية في المنطقة. مع العلم أن ويتكوف لم يأت من عالم الديبلوماسية ولا حتى من عالم السياسة، كما أنه لا يتمتع بأي خبرة حول أوضاع الشرق الأوسط، لكنه صديق شخصي ومقرب جدا من ترامب.
ووفق ما سبق فإن المعروف عن ترامب بأنه يندفع الى الأمام لا العكس عندما تحاصره الأزمات. وهو ما يعني بأن “سيغنال غيت” والمستجدات التركية والتشابكات على الساحة السورية ستضعه أكثر فأكثر في موقع هجومي. فهو يريد إغلاق الملف الإيراني أكان بالتفاوض أم بالقوة، على الأقل هذا ما تؤكده أوساط ديبلوماسية في العاصمة الأميركية.
لكن هذا سيعني مزيدا من الضغط على لبنان، أكان أمنيا أو إقتصاديا، مع ازدياد القناعة بأن ملف إعادة الإعمار ليس موضوعا على الطاولة ولا حتى على الرف. فالصراع العريض في المنطقة أكبر مما يعتبره البعض “تفاصيل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى