
ممّا لا شك فيه أن قطاع الصناعات الغذائية في لبنان هو من أهم القطاعات الإنتاجية، ويمكن دعمه عبر استراتيجيات شاملة تعزز الإنتاج، التنافسية والتصدير. وذلك من خلال تحسين جودة الإنتاج المحلي عبر توجيه المزارعين نحو المحاصيل الزراعية المعدّة للتصنيع الغذائي ممّا يقلل من الاعتماد على المواد الأولية المستوردة. كذلك يجب تقديم حوافز ضريبية للمصانع التي تستخدم نسبة 50% من المواد الأولية المحلية، بالإضافة إلى تسهيل تمويل التحديث في المصانع لرفع جودة المنتجات وزيادة كفاءتها وصولاً إلى تشجيع استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الصناعي في خطوط الإنتاج.
إلى ذلك، فإن تعزيز جودة المنتجات عبر الالتزام بالمواصفات والمعايير المعتمدة في مؤسسة “ليبنور”، ووضع معايير جودة وطنية تضمن سلامة المنتجات وتنافسيتها، يعدّ خطوة أساسية. وحسب خبرتي الطويلة في هذا القطاع، فإن إطلاق علامة جودة وطنية تُمنح للمنتجات التي تلتزم بأفضل الممارسات الغذائية، إلى جانب دعم شهادات الاعتماد الدولية مثل ISO، HACCP، وOrganic، سيمكّن الشركات اللبنانية من دخول الأسواق العالمية.
ولا يجب أن نغفل أهمية تحفيز المواطنين لإعطاء الأولوية للمنتج المحلي عبر حملات توعية، وصولاً إلى فرض نسبة إلزامية للمنتجات الوطنية في المؤسسات الحكومية والفنادق والمطاعم الكبرى. كما أن تشجيع الشراكة بين المنتجين والمتاجر الكبرى لتخصيص مساحات خاصة للمنتجات الوطنية سيساهم في تعزيز حضورها في السوق. واستكمالاً لخطة النهوض بهذا القطاع، يجب العمل على تعزيز التصدير والتوسع في الأسواق الخارجية من خلال دعم الشركات في المعارض الدولية، وإنشاء مراكز توزيع إقليمية لتسهيل تصدير المنتجات الغذائية إلى دول الجوار والأسواق الأوروبية. ولا يمكن إغفال ضرورة تفويض الملحقين الاقتصاديين توقيع اتفاقيات مع المتاجر الكبرى وشبكات السوبرماركت في الخارج لعرض المنتجات الوطنية، إلى جانب دعم شهادات المطابقة المطلوبة للتصدير مثل FDA للسوق الأميركي وEFSA للسوق الأوروبي.
أما على المستوى التشريعي والتنظيمي، فمن الضروري تطوير بيئة داعمة عبر تبسيط إجراءات التراخيص، وإلغاء جميع إجازات التصدير والاستيراد واستبدالها برسوم تساهم في مداخيل جديدة للدولة. كما أن تقديم حوافز للشركات الناشئة في قطاع الغذاء، خاصة المنتجات المبتكرة والصحية، ومكافحة الإغراق والتهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، سيعزز الأمن الغذائي الوطني.
وأخيراً، فإن تعزيز الاستدامة والابتكار في هذا القطاع يتطلب دعم التوجه نحو الصناعات الغذائية الصحية مثل المنتجات العضوية والخالية من الجلوتين، وتشجيع استخدام التعبئة والتغليف المستدام لتقليل الأثر البيئي، وتحفيز الاستفادة من مخلفات التصنيع في إنتاج الأعلاف أو الوقود الحيوي.