مقالات صحفية

“حكومة سريعة وأجواء دولية واعدة” بقلم الكاتب السياسي جوني منيّر

يحتضن الأسبوع الطالع العديد من المحطات المهمة والأساسية، بدءا من استلام أكثر الرؤساء الأميركيين إثارة للجدل دونالد ترامب لسلطاته، ومرورا باستكمال الإنسحاب الإسرائيلي من لبنان آخر الأسبوع وفق ما نص عليه الإتفاق، وأخيرا وليس آخرا إنجاز ولادة الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزف عون.
ومن المفترض أن يباشر الرئيسين عون وسلام البحث بالتفاصيل الكاملة للتشكيلة الحكومية في اجتماعهما اليوم، بعد أن جرى تذليل كافة المطالب التي حملها فريق الثنائي الشيعي، ما سمح بالإنطلاق فعليا في معالجة كامل التركيبة الحكومية. وبات معلوما أن الحكومة ستكون تكنوسياسية ومؤلفة من 24 وزيرا، أي أن “الحصص” السياسية ستكون لايت، كمثل حقيبة المال والتي حسمت للطائفة الشيعية والتي سيتولاها النائب السابق ياسين جابر. وربما الجديد على صعيد الحصة الشيعية أن الحقيبة الخامسة سيجري تسميتها من خارج الثنائي ولكن وفق إسم لا يشكل تحديا أو حساسية لهما.
ومن المفترض أن يكون جرى التفاهم أيضا على العناوين العريضة للبيان الوزاري. فهو سيشكل امتدادا لخطاب القسم وتحديدا في النقطة المتعلقة باحتكار الدولة للسلاح. أي أن ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة لن تتكرر هذه المرة. أغلب الظن أن البديل سيكون بالدعوة الى طاولة نقاش للبحث في الإستراتيجية الدفاعية والتي طال انتظارها.
وبخلاف ما كان جرى تداوله سابقا فإن رئيس الجمهورية كما رئيس الحكومة سيعمدان الى تسمية وزراء لوزارات حساسة. فعلى سبيل المثال سيشرف الرئيس عون على تسمية وزراء الحقائب الأمنية مثل الداخلية والدفاع. وعدا عن رمزية ومعاني أن يتولى الرئيس عون الرعاية المباشرة لهاتين الحقيبتين، فثمة إشارة أخرى لا تقل أهمية وهي في تنوع حصته ما بين المقاعد المسيحية والمسلمة على حد سواء، وعلى اعتبار أنه رمز جامع للبلاد ويتخطى حدود الطوائف. وثمة تركيز دولي لافت على من سيتولى حقيبة الدفاع هذه المرة.
أما رئيس الحكومة ووفق المبدأ نفسه فهو يطمح لأن يتولى تسمية وزير الخارجية. وتردد إسم الوزير السابق غسان سلامة، لكن ثمة عائق له علاقة بالتوزيع الطائفي المعتمد للحقائب الأربع المصنفة سيادية.
وبالتالي فإن التواصل الجدي سيبدأ مع القوى الحزبية الأخرى واعتماد الأسلوب نفسه الذي حصل مع الثنائي الشيعي، وسط آمال بأن يجري إنجاز التشكيلة الحكومية وإصدارها قبل نهاية الأسبوع وتحديدا ما بين يومي الخميس والجمعة وهو ما يصادف الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية السعودي بعد أن تأجلت في المرة السابقة قبيل الإستحقاق الرئاسي. وبات معروفا أن الزيارة الخارجية الأولى للرئيس عون ستكون وجهتها السعودية وحيث من المفترض أن يترأس وفدا وزاريا عريضا، وسيجري التوقيع على 22 اتفاقا بين البلدين.
ومن المفترض أن يسبق هذه الزيارة إنجاز الإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان والمباشرة في استكمال تطبيق القرار 1701 مع إضافاته. ولم يكن تفصيلا أن يعلن أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من جنوب لبنان عن اكتشاف حوالي مئة مخزن أسلحة لحزب الله أو مجموعات مسلحة أخرى منذ دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. وهذا الكلام يعني أولا توجيه إشارة رضى على المسار الذي تسلكه الأمور في الجنوب، وثانيا بأنه يجري تطبيق كافة بنود الإتفاق ولكن بعيدا عن العراضات الإعلامية. والجانب الحساس في هذه المسألة لا يقف فقط على مبدأ إزالة الإحتلال وتطبيق كافة مندرجات الإتفاق، لكن خصوصا على الأهداف الخبيثة التي يسعى إليها نتنياهو. فعلى سبيل المثال ظهرت تساؤلات عدة حول الخلفية الحقيقية وراء توغل الجيش الإسرائيلي في العمق السوري واقترابه من العاصمة دمشق، خصوصا وأنه لم تظهر أهداف عسكرية حقيقية. ويبدو أن الهدف الإسرائيلي يتمحور حول جر الإدارة السورية الجديدة الى مفاوضات مباشرة أو حتى غير مباشرة ينتهي مسارها بعقد اتفاق لتطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب تحت ضغط وجود الجيش السوري على مشارف العاصمة السورية ووسط واقع إقتصادي سوري مزري.
وبالعودة الى لبنان كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفي زيارته الثالثة الى بيروت يوجه مع الفريق المرافق له رسائل إيجابية بالجملة. وتمحورت الرسائل الفرنسية حول وجود حظوظ كبيرة باتت تلعب لصالح لبنان. وهي إشارات إيجابية حرص ماكرون والفريق المرافق له على إبرازها خلال وجوده في العاصمة اللبنانية. لكن هذه النظرة الإيجابية والمتفائلة رافقهتها تنبيهات من وجود جهات متضررة ستسعى للخربطة إذا سنحت لها الفرصة، وهو ما يستوجب على اللبنانيين التعاطي بمسؤولية مع الفرصة الواعدة التي يمر بها لبنان.
وخلال جلساته المتفرقة وبعيدا عن الإعلام تحدث بعض أعضاء الوفد بصراحة حول كيفية إنجاز الإستحقاق الرئاسي، وأشار هؤلاء الى أن واشنطن مارست ضغوطا كبيرة وجدية للوصول الى هذه النتيجة، وبالتعاون الكامل مع السعودية. وأنه لولا هذا الدور الأميركي لما كان هنالك رئاسة ولا حكومة. لا بل تسمع ولو بعبارات ديبلوماسية بأن واشنطن تعمل على تثبيت رؤيا كاملة في المنطقة، وأن الأسلوب الأميركي يظهر بأن واشنطن جدية جدا ولا تحتمل المزاح، خصوصا وأن الإدارة المقبلة هي إدارة دونالد ترامب.
وهذا الإقرار الفرنسي بالدور الأميركي كان لافتا، بعدما كانت سجلت الساحة اللبنانية خلال مراحل ماضية مناكفات أميركية_فرنسية ولو أنها بقيت مضبوطة وتحت سقف محدد.
كذلك أسهب الوفد الفرنسي في الحديث عن المؤتمر الجاري إعداده والمخصص لدعم لبنان إقتصاديا. وأشاروا الى وجود حماسة أوروبية وعلى وجه الخصوص سعودية وخليجية. لكن هذه المساعدات الإقتصادية ستخضع هذه المرة لرقابة خارجية دقيقة ولن تترك لحرية التصرف اللبنانية بسبب الفساد الذي “أثرى رجال الطبقة السياسية على حساب المصلحة العامة”.
وماكرون الذي حرص على أخذ قسط من النوم في الطائرة الرئاسية بعد عشاء طال أمده مع رئيس جمهورية أنغولا كي يتمكن من بدء نهاره باكرا، وضع برامجا مكثفا لزيارته حمل بدوره معان عدة.
فالفارق كبير بين الزيارة الأخيرة لماكرون وتلك التي حصلت في آب 2020 بعد إنفجار مرفأ بيروت وخصوصا الزيارة الثانية التي تلتها مطلع شهر أيلول. يومها جال ماكرون في حي الجميزة المدمر وسط صيحات لمواطنين فقدوا الأمل ودفع الخوف من المستقبل بأحدهم طالبا إعادة الإنتداب الفرنسي. ورغم ذلك وفي الإجتماع الذي عقد في قصر الصنوبر وضم القوى السياسية اللبنانية، حرص ماكرون على “تمييز” وفد حزب الله فوقف في خلوة قصيرة مع النائب محمد رعد. والإشارة الأبرز والتي صعقت خصوصا المسيحيين كانت بدعوته للذهاب الى “عقد إجتماعي جديد” وهي العبارة التي سال لعاب حزب الله عليها.
لكن ماكرون نال “صفعات” متتالية فيما بعد. فسقط مرشحه لرئاسة الحكومة مصطفى أديب بعد أن عجز عن تقديم تشكيلته وسط رفض شعبي له. وابتعدت المسافة أكثر فأكثر بين الساحة المسيحية وباريس التي كانت تعتبر تاريخيا الراعي الدولي لهم. وبلغ التباعد ذروته بعد التفاهم الفرنسي مع الثنائي الشيعي على سليمان فرنجية كرئيس للجمهورية. يومها رفض المسيحيون مندرجات هذا التفاهم ما شكل الصفعة الأقوى لباريس. لاحقا سرعان ما شعر ماكرون بحجم الخسارة في لبنان في وقت كانت فيه مواقع نفوذ فرنسا في القارة الأفريقية تتهاوى الواحدة تلوى الأخرى. وكان ماكرون خلال لقاءاته مع مسؤولين وشخصيات لبنانية والتي بقي معظمها بعيدا عن الإعلام، يطلب أفكارا تساعده في استعادة موقع فرنسا خصوصا في الشارع المسيحي.
وفي زيارته الثالثة وعلى الرغم من ضيق الوقت إختار أن يجول من جديد في شارع الجميزة. الشارع بدا مختلفا بعد أن أزاح عنه الردم الذي سببه الإنفجار وعادت اليه الحياة، ومعه تبدل مزاج المواطنين، واختفى شعور القلق والخوف من المستقبل.
وتقصد ماكرون الإختلاط بالناس ومصافحتهم وإجراء حوارات سريعة معهم ومع أصحاب المقاهي والمحال، وشرب القهوة وتناول المعجنات.
لقد تبدل المشهد في الجميزة وانقلب مزاج الناس، والأصح أن المناخ الدولي تبدل ما دفع ماكرون للعودة الى بيروت ولكن من دون الحديث عن عقد إجتماعي جديد، بل للإشارة بحماسة أمام الذين التقاهم بأن لبنان يتجه الى مستقبل واعد وبخطى ثابتة، ولو مع ضرورة التنبه من وجود متضررين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى