أخبار دولية وإقليمية

انفلات للامن في سوريا “الجولاني”: دخان شجرة الميلاد يخيف الأقليات

شهدت مدينة السقيلبية، ذات الأغلبية المسيحية في محافظة حماة، حادثة إحراق شجرة عيد الميلاد، ما أثار استياءً واسعًا وبرز كرمز لانتهاكات متكررة ضد الأقليات في سوريا. أظهرت مقاطع مصورة ملثمين يحرقون الشجرة، في حين وعدت هيئة تحرير الشام بإعادة ترميمها، لكن الهواجس تزداد مع استمرار سيطرة الجماعات المتشددة.

وتشير الإحصاءات إلى أن المسلمين السنة يشكلون 74% من سكان سوريا، الذين كان عددهم قبل الحرب الأهلية حوالي 23 مليون نسمة. أما الأقليات المسلمة، مثل العلويين والإسماعيليين والشيعة، فتشكل مجتمعة نحو 13% من السكان، وفق تقديرات أميركية. وتفيد تقارير أخرى أن العلويين، الذين يتمركز معظمهم في اللاذقية، يمثلون حوالي 10% من السكان.

من جانب آخر، تقدر الحكومة الأميركية أن المسيحيين يشكلون حوالي 10% من السكان، لكن تقارير تشير إلى أن النسبة الفعلية قد تكون أقل بكثير، ولا تتجاوز 2.5%. ومن بين 2.2 مليون مسيحي كانوا يعيشون في سوريا قبل الحرب، لم يبقَ منهم سوى حوالي 579 ألفًا.

المسيحيون في سوريا ينتمون إلى طوائف متنوعة، منها الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية الشرقية وكنيسة المشرق الآشورية، ويتمركز معظمهم في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية، بالإضافة إلى محافظة الحسكة.

تأتي هذه الحادثة ضمن سلسلة اعتداءات استهدفت مواقع مسيحية، مثل إطلاق النار على كنيسة مار جرجس في حماة وتخريب مدافن مسيحية في محردة. ووفقًا لتقارير، تعاني الأقليات الدينية، بما في ذلك المسيحيين والعلويين والدروز، من تصاعد التهديدات والهجمات مع انحسار سيطرة النظام السوري، ما يعمق الشعور بالخوف لدى هذه الفئات.

كانت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حاليًا) مسؤولة عن انتهاكات واسعة خلال سيطرتها على مناطق مثل معلولا في 2013. ورغم محاولات قياداتها تحسين صورتها دوليًا، تظل أيديولوجيتها الجهادية مستمرة في التأثير على أعضائها. أثرت الحرب على عدد المسيحيين، الذين تقلص عددهم من 2.2 مليون قبل النزاع إلى نحو 579 ألفًا حاليًا.

كما طالت الانتهاكات الطائفة العلوية، التي شكلت ركيزة للنظام السوري، حيث تعرضت لعمليات انتقام وتهجير. وعبر الدروز عن مخاوفهم من أن يصبحوا هدفًا إضافيًا في ظل الصراع الدائر. يبقى الوضع في سوريا معقدًا مع تزايد التحديات الأمنية والإنسانية، وتظل الأقليات أكثر الفئات عرضة للخطر.

تشير تقارير إلى تزايد الانتهاكات، بما في ذلك الإعدامات العشوائية، وتدمير الممتلكات، واستهداف الأماكن الدينية. وقد وجهت أصابع الاتهام إلى تنظيمات مثل “أنصار التوحيد” وهيئة تحرير الشام، التي تعتمد في جزء كبير من نشاطها على فكر تنظيم القاعدة، مما يعزز الانفلات الأمني في المناطق التي تسيطر عليها.

لم تقتصر الانتهاكات على المسيحيين فقط، بل امتدت إلى العلويين الذين يواجهون تهديدات مباشرة بالقتل والتشريد، والدروز الذين يشعرون بأنهم قد يُستخدمون كـ”كبش فداء” في الصراع. وازدادت حالة عدم الأمان مع نشر مقاطع فيديو ومناشير تدعو إلى تقييد الحريات الشخصية وفرض سياسات متشددة.

في ظل هذه الظروف، تتضح محاولات الجماعات المتطرفة توسيع نفوذها عبر الترويج لفكر متطرف لاستقطاب المجندين، مستغلين الفراغ الأمني والسياسي. وتستمر معاناة الأقليات في سوريا كمؤشر على هشاشة الوضع الإنساني والسياسي في البلاد، وسط غياب حلول جذرية للصراع.

وإذا كانت قيادات هيئة تحرير الشام (الاسم الجديد لجبهة النصرة) وعلى رأسهم أبو محمد الجولاني قد أظهروا سلوكًا وتصريحات أكثر انفتاحًا في المرحلة الحالية للحصول على قبول دولي لحكم البلاد، فإن المشكلة تكمن في عناصر هذه الجماعة والجماعات المتشددة الأخرى الذين انضموا إليها بناءً على أفكار تنظيم القاعدة. وهو ما يجعل الانفلات الأمني المتطرف ضد السكان المحليين في كثير من المناطق خارجًا عن السيطرة بسبب التأويل الشخصي لكل عنصر وإحالة العديد من المواقف إلى الفكر المتشدد الذي يتبناه شخصيًا.

وكان تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية قد ذكر أنه فور انهيار نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الاول الجاري، أطلق تنظيم القاعدة دعوة إلى مقاتلي الفصائل الإسلامية المسلحة، ومن بينها هيئة تحرير الشام، إلى “التحول إلى قتال اليهود والصليبيين” (وهو المصطلح الذي يشمل أبناء الديانة المسيحية)، وهو ما يعطي انطباعا بأن التنظيم يعتقد أن أفكاره لا تزال مستمرة بين عناصر المسلحين المنتشرين حاليا في ربوع سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى