مقالات صحفية

“هل فعلا هنالك تباين شيعي إيراني؟” بقلم الصحافي والكاتب السياسي جوني منيّر

بعد عام على “عملية طوفان الأقصى” يبدو المشهد في الشرق الأوسط مختلفا تماما عما كان قبل السابع من تشرين الأول الماضي. فالزلزال الحربي أنهى مقومات الحياة في غزة وشبه استحالة إعادة إحيائها، وفتح أبواب المخاطر حول مستقبل الضفة، وها هو يدفع بلبنان الى غد مظلم ومبهم.

والأكثر خطورة من كل ذلك هو أن إسرائيل نفسها تغيرت كثيرا، وبات شارعها يدفع باتجاه المزيد من الحروب متجاوزا “عقدتي” الوقت وأكلافه الإقتصادية والخسائر البشرية. هو بات أكثر “يمينية” في اندفاعه ناحية مشروع الولادة الثانية لإسرائيل والتي يسعى نتنياهو لأن يكون بطلها التاريخي كما كان بن غوريون صانع الولادة الأولى لإسرائيل. لا بل أن نتنياهو مهجوس بتجاوز مكانة بن غوريون في الوجدان الإسرائيلي لناحية أن تكون “الولادة الثانية” خالية من اخطاء “الولادة الأولى” لناحية تحقيق اليهودية الصافية للدولة من خلال طرد الفلسطينيين، وأيضا تأمين متطلبات الأمن للكيان في جنوب لبنان والتمهيد لإمكانية مد الحدود لاحقا وعندما تسنح الظروف للوصول الى مياه الليطاني.
وبذلك بدل أن تكون عملية “طوفان الأقصى” مدخلا لتوجيه ضربة قاسية تؤدي الى زعزعة ركائز هذا الكيان فهي تحولت الى “فرصة تاريخية” لإعادة تجديد وترسيخ حضوره ووفق أسس أكثر متانة.
لذلك لا يبدو مفاجئا أن تتكرر المسرحية التي اتبعت في غزة مع لبنان. كمثل عنف التدمير ودعوات الإخلاء والتي شملت حتى مناطق عند شمال الليطاني.
ويبدو نتنياهو متيقنا بأن العقبة الأخيرة أمام الخارطة الجديدة للمنطقة هي بقطع كل أشكال التمدد الإيراني في فلسطين ولبنان وحتى سوريا قبل الشروع في تثبيت نظام إقليمي جديد. والعاصفة التي تضرب لبنان جرى التحضير لها جيدا غداة هزيمة العام 2006 مرشح لها أن تتطور أكثر وسط رهان إسرائيلي على نتائج عسكرية وربما ديمغرافية مختلفة. ومن هنا كان قرار التدمير من خلال القنابل الذكية العملاقة والتمهيد للغزو البري الذي وحده قادر على تثبيت وترسيخ النتائج المطلوبة على الأرض.
لذلك تشير التقارير العسكرية عن اكتمال نشر زهاء ثلاث فرق عسكرية إسرائيلية بمحاذاة الحدود اللبنانية. وهو ما يعني أن عديد القوات المنتشرة بات يسمح للقيام بالمغامرة البرية وصولا للسيطرة على عمق يتراوح بين 5 الى 7 كلم. وجاء التمهيد لذلك عبر عمليات جس النبض والإستطلاع، وهو ما يعتبر في العلم العسكري خطوة ممهدة للتقدم البري ويهدف لاكتشاف ماذا يوجد فعلا في الجانب المقابل. ولا شك أن الجيش الإسرائيلي اكتشف جهوزية عالية لدى مجموعات حزب الله بعد أن تكبدت طلائع قواته بخسائر فادحة. ورغم ذلك فإن قرار الغزو سيبقى قائما والكلمة ستكون للميدان.
وتأمل إسرائيل بفرض شروطها قبل انسحاب قواتها من جديد، والتي ستتضمن بنودا سياسية وأخرى عسكرية كمثل تركيز أبراج مراقبة عند طول الحدود كان حزب الله قد رفض إقامتها سابقا، إضافة الى دور أكبر لقوات الطوارىء بحيث تصبح مخولة بالتحرك ميدانيا وعبر مظلة دولية داعمة.
وسستتجه إسرائيل الى مواكبة حركتها في الجنوب بحركة عسكرية أخرى عند البقاع الشمالي بهدف إقفال الجزء الحدودي الذي يخضع لسيطرة حزب الله. والمطروح أيضا هنا تزنير كامل الحدود مع سوريا بأبراج المراقبة بذريعة منع أي إمكانية لتهريب الأسلحة مستقبلا. وفي هذه الأثناء يمكن تفسير الضربات التدميرية التي تقوم بها بوحشية فائقة في الضاحية الجنوبية بهدف القضاء نهائيا على إمكانية إعادة تشكيل هرمية عسكرية جديدة.
لكن قبل ذلك هنالك الحركة العسكرية باتجاه إيران والتي شاركت واشنطن عن قرب في الإطلاع عليها. وكان معبرا أن يستبق نتنياهو الضربة على إيران بالظهور إعلاميا وحديثه عن تبديل المعادلات. وهنا يوحي نتنياهو بعملية مؤثرة (أو هكذا يتمنى) تسهم في إضعاف سعي طهران لترسيخ نفوذها في الساحات القريبة من إسرائيل.
واستطرادا فإن العملية البرية باتجاه لبنان لا بد أن تنتظر ما ستؤول إليه الضربة باتجاه إيران ونوعيتها والأهم الرد الإيراني عليها.
وفي هذا الوقت أرسلت إيران وزير خارجيتها الى بيروت في مهمة أساسية عنوانها إعادة ربط وقف إطلاق النار في لبنان بغزة. والخطوة الإيرانية جاءت إثر الموقف اللبناني الداعي لوقف إطلاق النار من دون التطرق الى غزة. ولذلك جاء الإجتماع بين عباس عراقجي والرئيس نجيب ميقاتي باردا لا بل غير ودود. فعلى الرغم من إصرار عراقجي عل. الربط وحث لبنان على القيام بضغوط في المحافل الدولية في هذا الإتجاه كان جواب ميقاتي بأن لبنان وضع خارطة طريق وهو متمسك بها. لذلك كان الإجتماع الأهم مع الرئيس نبيه بري شريك ميقاتي في قرار وقف النار. ذلك أن بري يحاول استباق الوقت لإنقاذ الجنوب من الكارثة التي تعد لها إسرائيل. وكان معبرا جدا أن يخرج عراقجي عن السلوك الديبلوماسي الإيراني ويستعمل تعابير جديدة في كلامه من عين التينة لناحية دعم الطائفة الشيعية. والواضح أنه حاول التأثير على بري من هذه الزاوية.
لكن المفاجأة الثانية جاءت على لسان نائب حزب الله حسين الحاج حسن لقناة الجزيرة وبعد ساعات معدودة على مغادرة طائرة الوزير الإيراني مطار بيروت من دون أي اعتراض أو تشويش إسرائيلي وحيث ألمح ضمنا بالقبول بقرار الحكومة اللبنانية بالفصل بين لبنان وغزة.
في الواقع ثمة خيوط متشابكة لا بد من فرزها بهدوء وروية ولو أن دوي القنابل العملاقة يحول دون هدوء التفكير والدخان الكثيف يحجب صفاء الرؤيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى