
لم تمض 24 ساعة على دخول حزب الله على قضية المطران موسى الحاج، وقول رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد “إن التعامل مع العدو خيانة وطنية وجريمة والمتعامل لا يمثّل طائفة”، حتى جاء رد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بالدعوة إلى البحث عن العملاء في مكان آخر، معتبراً أن “ما تعرّض له المطران موسى الحاج انتهك كرامة الكنيسة وعبثاً تحاول السلطة تحويله من اعتداء إلى مجرد مسألة قانونية”.
كلام الراعي جاء خلال عظة له في المقر البطريركي الصيفي في الديمان، الذي أمّته وفود سياسية وشعبية للتضامن مع البطريركية بعد حادثة توقيف راعي أبرشية حيفا والقدس والمملكة الهاشمية، المطران موسى الحاج عند معبر الناقورة وهو آت من فلسطين المحتلة حاملاً أموالاً وأدوية ومساعدات. ورفض المشاركون في الحشد إهانة البطريركية والتشكيك بوطنيتها والمسيحيين، ووجّهوا أقسى الاتهامات إلى حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله، حيث اتهمه البعض صراحة بـ”الإرهاب” وبالاغتيالات وبالوقوف وراء تفجير مرفأ بيروت.
فحص دم
واستهجن هؤلاء اتهام المطران الحاج بالتعامل مع العدو، وقال أحدهم: “جايي أعمل فحص دم حتى شوف درجة العمالة”، فيما هتف آخرون: “ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني”، وردّ أحدهم وهو منتسب إلى القوات اللبنانية على تهديد القيادي في حزب الله هاشم صفي الدين قائلاً: “نصيحة ما يجربونا حزب الله”. وهذا ما ردّت عليه أوساط في 8 آذار/ مارس، بأنه محاولة من القوات اللبنانية لتأجيج الموقف واستخدام خطاب طائفي.
وقال البطريرك الراعي رداً على مصادرة الأموال والمساعدات التي كان يأتي بها المطران الحاج: “نحن من جهتنا ككنيسة لن نتخلّى عن إنسانيتنا وعن خدمة هذا الإنسان الذي بقربنا، مهما كلّف الأمر”.
وأضاف الراعي: “عبثا تحاول الجماعةَ الحاكمةَ والمهيمنةَ تحويلِ المدبَّر الذي تعرّضّ له سيادةُ المطران موسى الحاج من اعتداء سياسيّ والذي انتهك كرامة الكنيسة التي يمثّلها، إلى مجرد مسألةٍ قانونيةٍ هي بدون أساس لتغطيةِ الذَنبِ بالإضافة إلى تفسيرات واجتهادات لا تُقنع ولا تُجدي. وإن كان هناك من قانون يمنع جلب المساعدات الإنسانية فليبرزوه لنا. ومن غير المقبول أن يخضع أسقف لتوقيف وتفتيش ومساءلة من دون الرجوع إلى مرجعيته الكنسية القانونية، وهي البطريركية. وبهذا النقص المتعمد إساءة للبطريركية المارونية، وتعدٍّ على صلاحياتها”.
وأكد: “نحن نرفض هذه التصرقات البوليسية ذات الأبعاد السياسية التي لا يجهلها أحد، ونطالب بأن يُعاد إلى سيادة المطران موسى الحاج كل ما صودر منه: جواز سفره اللبناني، وهاتفه المحمول، وجميع المساعدات، من مال وأدوية، كأمانات من لبنانيين في فلسطين المحتلة والأراضي المقدسة إلى أهاليهم في لبنان من مختلف الطوائف. هذا ما كان يفعله الأساقفة الموارنة أسلافه على مدى سنوات، وما يجب عليه هو أن يواصله في المستقبل. وأنتم أيها المسيئون إلى كرامة اللبنانيين كفّوا عن قولكم إن المساعدات تأتي من العملاء، واذهبوا بالأحرى وابحثوا في مكان آخر عن العملاء، وأنتم تعلمون أين هم، ومن هم”.
الحفاظ على الوجود الفلسطيني
وتابع الراعي: “إن الدورَ الذي يقوم به راعي أبرشيةِ الأراضي المقدسةِ عمومًا ليس دينياً وإنسانياً فحسب، بل هو دورٌ وطني أيضًا، إذ يحافظُ على الوجودِ المسيحي والفِلسطيني والعربي في قلبِ دولةِ إسرائيل، ويَستحق الإشادةَ به ودعمَه لا التعرّضَ لكرامته ورسالته المشرّفة. إنَّ الوجودَ الماروني في فِلسطين يعود إلى الأزمنةِ الأولى لبروزِ جماعةِ مارون. ولَعِب الموارنةُ هناك دورًا أساسيًّا في تعزيزِ الهُويةِ الوطنية، وكانوا رسلَ خيرٍ بين جميعِ الأديان، وظلَّ اسمُهم بَهيًّا ورفيعًا ومحطَّ تقديرٍ من إخوانِهم في الطوائف الأخرى”.
وختم الراعي: “إن البطريركية المارونية صامدةٌ كعادتِها على مواقفِها وستُتابع مسيرتَها مع شعبِها، معكم أنتم الذين هنا والذين هناك، ومع سائر اللبنانيّين لإنقاذِ لبنان بالاستناد إلى منطلقاتِ الحِيادِ الإيجابي الناشط واللامركزيّةِ الموسعةِ وعقدِ مؤتمرٍ دُوَلي خاص بلبنان لبت المسائل المسمّاة ”خلافية“… لذلك، سنواصل الدعوةَ الحثيثةَ إلى تشكيلِ حكومةٍ جديدةٍ بأسرعِ ما يمكن، وانتخابِ رئيسٍ جديدٍ للجُمهوريّةِ في الـمُهلِ الدستوريّة. إن لبنانَ يَستحق حكومةً جديدةً ورئيسًا جديداً”.
مصير اللبنانيين في إسرائيل
على خط مواز، علمت “القدس العربي” أن “تكتل الجمهورية القوية” ونواباً آخرين، سيثيرون القضية في الجلسة التشريعية للمجلس النيابي يوم الثلاثاء، وسيسألون عن مصير اللبنانيين الفارين إلى إسرائيل وأسباب عدم تأمين عودتهم، إضافة إلى تقديمهم اقتراح قانون بإلغاء المحكمة العسكرية أو على الأقل اقتصار عملها على محاكمة العسكريين حصراً من دون أي مدني. ومن المتوقع أن تثير هذه المسألة جدلاً سياسياً بين النواب السياديين ونواب حزب الله وحلفائهم، ولا سيما على خلفية تهديد القيادي في الحزب هاشم صفي الدين الخصوم بأن “النهاية اقتربت وتحمّلناهم 40 سنة”.
وعلى هذا التهديد، علّقت الوزيرة السابقة مي شدياق بتغريدة جاء فيها: “سنبقى نردّد ما قاله غبطة أبينا البطريرك صفير: بئس هذه الايام! أو بالأحرى يليق بك سؤال: إنت مين؟”، وأضافت: “عندما كان الموارنة يدافعون عن وجود لبنان ضد الظلم والاحتلال والاستعمار أين كنتم أنتم؟ إنتو تحمّلتونا؟ قصدك فجرتونا! خلصنا عجرفة! سترينا الأيام مَن اقتربت نهايته”.
في المقابل، رفض وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن، المسمّى من قبل “حركة أمل” في تصريح “انخراط أي مرجعية دينية في السياسة خصوصاً البطريرك الماروني باعتباره قامة وطنية بامتياز تعلو فوق السياسة”، وتوجّه إلى “المستثمرين في قضية المطران موسى الحاج”، بالقول: “اتركوا بكركي”.