علوم وتكنولوجيا

المدرسة الافتراضيّة لم تعد خياراً

ندى عويجان

المدرسة الافتراضيّة لم تعد خياراً،

وأولادُنا بحالة نفسيّة مُقلقة وخطرة، وأصبحوا ضحايا هذه المنظومة المهترئة،

– سنشهد تدنّيًا في المستوى التّعليميّ … وأيضًا هجرة ملحوظة للشّباب … وتداعيات نفسيّة-أخلاقيّة-اجتماعيّة ستعصف بالمجتع اللّبنانيّ،

– سنشهد مجتمعًا استهلاكيًّا بامتياز، بعيدًا كلّ البعد عن الاقتصاد الإنتاجيّ الإبداعيّ المعاصر لاقتصاد المعرفة،

– لم نكن جاهزين، ودعم وزارة التّربية كان شكليًّا. “كل واحد يدبّر راسو”،

– لم تكن مناهجنا ولا كتبنا معدّة للتعلَّم من بُعد، ولا البيئة الإلكترونية كانت جاهزة وحاضرة لهذا الغرض،

– اختلفت حتّى المقاربة المعتمدة ونوعيّتها بين المعلّمين الّذين تمكّنوا من التّعليم من بُعد،

– تفاوتت المشاركة الفاعلة بين التّلامذة، الّذين تمكّنوا من متابعة التعلّم عن بعد،

– ما مصير العام الدّراسيّ الحاليّ، وما مصير الامتحانات الرّسميّة؟

 _________________________________

                                                     التعلّم عن بعد 1/1

لم يكفِ اللّبنانيّين التّدهور السّياسيّ واللإقتصاديّ في بلد لا قيمة للإنسان فيه إلّا بصناديق الاقتراع، حتّى دخل وباء كورونا في شباط 2020، ليُظهر نقاط الضّعف ونقاط القوّة في القطاعات التّربويّة، والصّحّيّة، والاجتماعيّة، والاتّصالات وغيرها من القطاعات… تحدّيات متعدّدة، جاءت نتيجة تقاعس الحكومات المتعاقبة، وعجزت عن إدارتها حكومة تصريف الأعمال الحاليّة.

ولعلّ من أبرز التّحدّيات الّتي تواجه الوطن، بعد التّحدّي الطّبيّ في مواجهة جائحة كورونا، هو التعلّم عن بعد. بِتنا نسمع بوعود وبمساعدات وبإنجازات من مصادر مختلفة كوزارة التّربية، أو الدّول المانحة، أو المنظّمات والجمعيّات العاملة في لبنان … والحقيقة الثّابتة أنّ تلامذة لبنان خسروا عامهم الدّراسيّ الماضي (2019-2020)، وها هم الآن على شفير خسارة عامهم الدّراسيّ الحالي (2020-2021) بسبب عدم السّعي الجدّي لتأمين الجهوزيّة اللّازمة … على أمل أن لا يخسروا عامهم الدّراسيّ المقبل أيضًا (2021-2022).

فيما يأتي، سنورد متطلبات التعلّم عن بعد، وبعض نتائجه الكارثيّة، أمّا في القسم الثاني من المقال سنستعرض الحلول الممكنة، وسننهي مقالنا بأهمّ المواقف الّتي قمنا بها على هذا الصّعيد.

1- متطلّبات التعلّم عن بعد: الجودة والإتاحة.

انطلاقًا من مبدأَي الجودة في التّعليم والإتاحة للجميع (تكافؤ الفرص وعدالة التّوزيع بحسب المناطق والمدارس والمعلّمين والتّلامذة)، يتطلّب التعلّم عن بعد :

1-1- إنشاء المدرسة الافتراضيّة الّتي تحدّثنا عنها في آذار 2020، وتوجّهنا بها إلى أكثر من جهة، وطالبنا بها في أكثر من مناسبة.

1-2- وضع رؤية واضحة، وإستراتيجيّة متعدّدة الأبعاد، وخطّة عمل إجرائيّة جامعة ومرنة، وجريئة، قابلة للتّطبيق.

1-3- إصدار قرارات سريعة دون أن تكون متسرّعة، تسمح للمعلّمين والمتعلّمين الحصول على سلّة تربويّة كاملة تتضمّن منحًا تعليميّة ماديّة وعينيّة (كتب، قرطاسيّة، أجهزة إلكترونيّة، اشتراك إنترنت، وغيرها).

1-4- تأمين متطلّبات التعلّم عن بعد، وهي كالتّالي:

* تأمين المقوّمات الإلكترونيّة واللّوجستيّة والمستلزمات الضّروريّة: إنترنت، تيّار كهربائيّ، أجهزة إلكترونيّة للمتعلّمين والمعلّمين، بيئة إلكترونيّة مركزيّة آمنة، موارد تربويّة مشبّكة مع المنهج اللّبنانيّ، نظام للتّعلّم.

* وضع أسس التعلّم عن بعد: المنهج المعدّل والمُأقلم للتّعلّم من بُعد، الكتاب الرّقميّ، مقاربة تعليم-تعلّم تتناسب مع التعلّم عن بعد، أسس تقييم وتقويم خاصّة.

* تفعيل التّعلّم بالمشاريع.

* تفعيل برنامج للدّعم النّفسيّ الاجتماعيّ.

* تدريب المعلّمين والتّلامذة والأهل حول مقاربة التعلّم عن بعد بجميع أبعادها وأدواتها.

* التّدريب على البروتوكول الصّحّيّ، في حال أصبح الحضور جزئيًّا.

* إشراك جميع المعنيّين بالقطاع التّربويّ بالتّفكّر التربويّ.

* استصدار تشريعات تتناسب مع الوضع التّربويّ القائم، منها في المجال التّربويّ البحت، ومنها في المجال الاجتماعيّ-الاقتصاديّ، ومنها في مجال الاتّصالات.

2- نتائج التعلّم عن بعد : نتائج متعدّدة ومتناقضة.

ارتبطت نتائج التعلّم عن بعد بجهوزيّة المتطلّبات والمستلزمات الّتي ذكرناها سابقًا. فبعض المدارس لم تواجه مشاكل في التعلّم عن بعد وهي قليلة، وبعضها واجه مشاكل متفاوتة وهي الأكثريّة، وبعضها ما زال يتخبّط لوحده، وبعضها لم يعرف حتّى هذه المقاربة. ففي بعض المدارس كان التّعلّم الوجاهيّ هو الحلّ الوحيد لا بل الأوحد في غياب أي دعم وأيّ مستلزمات أخرى.

2-1- النّتائج على المستوى العامّ:

– لا جودة في التّعليم ولا إتاحة للجميع. لا بل على العكس هناك تفاوت كبير بحسب المناطق والمدارس والمعلّمين والتّلامذة.

– قرارات عشوائيّة شعبويّة غير مدروسة، لا تراعي لا الواقع التّربويّ، ولا الواقع النّفسيّ-الاجتماعيّ، ولا حتّى الاقتصاديّ.

– إنجازات واستعراضات شكليّة وهميّة … وخطط عمل مبتورة.

– لا سلّة تربويّة للتّلامذة وللأساتذة.

– لا مدرسة إفتراضيّة.

– إزدواجية في العمل بين المؤسّسات التّربويّة.

– لا نواتج تنسيق بين القيّمين على التّربية ولا بين الوزارات المعنيّة.

– تجميد العمل في مشاريع تربويّة وطنيّة متعدّدة، كانت ستدعم التعلّم عن بعد، كمشروع تطوير المناهج التّربويّة وبرنامج ال S2R2 وغيرهم.

– غياب المتابعة والتّقييم.

2-2- هل نجح التعلّم عن بعد؟

لم نكن جاهزين، ودعم وزارة التّربية كان شكليًّا. “كل واحد يدبّر راسو” … فكان التّفاوت كبيرًا:

– المناطق التّربويّة قامت بمجهود شخصيّ كبير، في ظلّ غياب الدّعم المادّي والدّعم المعنويّ.

– تجمّعات المدارس الخاصّة قامت بمبادرات فرديّة، بحسب إمكاناتها ومعرفتها.

– لم تستطع جميع المدارس الرّسميّة والخاصّة متابعة معلّميها وتلامذتها ودعمهم.

– لم يستطع جميع المعلّمين القيام بمهمّة التّعليم من بُعد. وقد اختلفت حتّى المقاربة المعتمدة ونوعيّتها بين المعلّمين الّذين تمكّنوا من التّعليم من بُعد … فمنهم من أبدع، ومنهم من اعتمد طريقة التّعليم الوجاهيّ نفسها. أضيفوا إلى ذلك الوضع النّفسيّ-الاجتماعيّ للمعلّمين من إحباط وتعب وخوف وقلق وتشتّت …

– لم يستطع جميع التّلامذة متابعة التعلّم عن بعد. وقد تفاوتت المشاركة الفاعلة بين التّلامذة، الّذين تمكّنوا من متابعة التعلّم عن بعد، بحسب المعلّم وشرحه، وبحسب المادة التعليميّة، وبحسب ضعف الإنترنت والكهرباء وبحسب الوضع النّفسيّ المرتبط بالقلق والإحباط واليأس والتّقوقع، والشك بالقيم، وغياب الأفق، والهروب من الواقع…، في ظلّ رواسب وتداعيات العام الدّراسيّ الماضي، ومشاكل واضطرابات كورونا، والعام الدّراسي الحالي، والوضع العام في البلد.

– لم تكن مناهجنا ولا كتبنا معدّة للتعلَّم من بُعد، ولا البيئة الإلكترونية كانت جاهزة وحاضرة لهذا الغرض.

– نضف الى ذلك، اضرابات المعلّمين والتّلامذة، احتجاجًا على القرارات والأوضاع التّربويّة العامّة …

2-3- النّتائج على المستوى القريب، المتوسّط والبعيد:

لا يكفِ لبنان الإنهيار التّام على جميع الأصعدة، الماليّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والأمنيّة والصّحيّة والاجتماعيّة…. حتّى جاء دور ضرب القطاع التّربويّ.

ولا يكفِ القطاع التّربويّ الإهمال المتراكم من العهود المتزامنة، الّتي تُرجمت بتأخّر تربويّ ومناهج قديمة، و”شحادة” على أبواب السّفارات والمنظّمات الأجنبيّة … حتّى يخسر أولادنا ما تعطيهم مناهجنا القديمة من الكفايات التّعليميّة والحياتيّة، وما تعطيهم من المعارف في الموادّ التّعليميّة.

– أولادُنا بحالة نفسيّة مُقلقة وخطرة، وأصبحوا ضحايا هذه المنظومة المهترئة.

– على المستوى القريب، يبقى السّؤال ما مصير العام الدّراسيّ الحاليّ، وما مصير الامتحانات الرّسميّة؟ ما هو الوضع الأنسب؟ وما هو الأقلّ ضررًا على التّلميذ، على المعلّم، على المدرسة، على الأهل، على العام الدّراسيّ المقبل، وعلى المستوى التّعليميّ العام بشكل عام؟

– على المدى القريب والمتوسّط سنشهد تدنّيًا في المستوى التّعليميّ لن نستطيع معالجته بسهولة. وسنشهد أيضًا هجرة ملحوظة للشّباب ستضرب بهرم السّكان وبالاقتصاد في وقت لاحق. ولن ننسى ما ستخلّفه هذه الأزمة من تداعيات نفسيّة-أخلاقيّة-اجتماعيّة ستعصف بالمجتع اللّبنانيّ.

– على المستوى المتوسّط والبعيد سنشهد مجتمعًا استهلاكيًّا بامتياز، بعيدًا كلّ البعد عن الاقتصاد الإنتاجيّ الإبداعيّ المعاصر لاقتصاد المعرفة.

… إذا أردتم أن تهدموا أمّة فربّوا الأجيال على اللّا قيم …

أوقفوا الاستثمار بالتّربية …

قلّلوا من شأن المعلّم وهيبته …

غيّبوا أفكار الباحثين التّربويين …

ومع الأسف هذه هي حالنا….

3- الحلول :

التعلّم عن بعد لم يعد خيارًا !

والمدسة الإفتراضيّة لم تعد خياراً !

“تابع” القسم الثاني من المقال …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى