في انتظار ردّ لبنان الرسمي على تصريحات قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، علي حاجي زادة، عن صواريخ غزّة ولبنان التي تشكّل بالنسبة لبلاده «الخط الأمامي لمواجهة إسرائيل»، كأبسط واجب، ثمّة أسئلة جوهرية حول مسارات الأمور في هذا البلد.. ومآلاتها.
أغلب الظن أن الردّ عليه لن يأتي أبداً. فقبل حاجي زادة، قال مستشار قائد الحرس الثوري اللواء مرتضى قرباني إنه «في حال ارتكبت إسرائيل أصغر خطأ تجاه إيران، سنسوّي تل أبيب بالتراب انطلاقًا من لبنان»، وحينها أيضاً التزمت السلطة المتحكّمة في لبنان صمت القبور. ثم إن كلام المسؤولين العسكريين الإيرانيين غير مستغرب فطهران تعتبر لبنان، ساحة تابعة لسيادتها الامبراطورية، ومساحة لإظهار مدى نفوذها الإقليمي، وتالياً ترى في «حزب الله» ذروة هذا النفوذ، وفوق ذلك لها في بلاد الأزر أدوات ومصالح وحسابات، ليست عسكرية فحسب، من يتذكر كلام قاسم سليماني معلقاً على نتائج الانتخابات النيابية في أيار 2018 عن أن «حزب الله» فاز بـ74 مقعداً، لافتاً إلى أنه «بهذه النتيجة يكون (الحزب) تحوّل من حزب مقاومة إلى حكومة مقاومة».
“تصريحات حاجي زادة عن الصواريخ اعتداء على السيادة الوطنية فلبنان ما عاد يحتمل أن يكون صندوق بريد لإيران في حوارها مع أميركا أو منصّة لتصفية حساباتها”
الردّ اللبنانيّ لن يأتي لسبب بسيط هو أن لبنان الفاقد للسيادة، يقبع في ذروة الغرق بأزمات داخليّة سياسية، اقتصادية، نقدية، غذائية، وحياتيّة غير مسبوقة جعلته دولة فاشلة وشبه منهارة ومفتوحة على كافة الاختراقات والاحتمالات، ومن نافل القول أنّ ما صدر عن حاجي زادة والذين سبقوه بلا شك اعتداء صارخ على السيادة الوطنية، فلبنان ما عاد يحتمل، حقيقة ومجازاً، أن يكون صندوق بريد لاستخدامات ايران في حوارها مع أميركا أو الغرب، أو منصّة لتصفية حساباتها مع أي طرف أو جهة، ولا يغير من هذه الحقيقة الصمتُ المريب من قبل أركان السلطة، وعدم اعتراضهم على تكرار المواقف الايرانية التي تنتهك السيادة الوطنية بشكل واضح وصريح، وتضع هذا البلد في مواجهة مع العالم، والأهم أنها تخدم تغوّل طرف داخلي على الأطراف اللبنانية الأخرى.
بين الفراغ والتذاكي
على ضفّة السلطة، لا جديد.. فإلى جانب رعاية الفراغ، واستنزاف من تبقى من إمكانات لدى الدولة، لا شغل لهذه السلطة سوى دوسِ الدستور، وتحدّي الشرعيتين العربية والدولية، وقتل الشعب بعد تجويعه وإفلاسه، ومن ثمّ عرقلة العدالة.. حتى بات لبنان في ظلّ هذا العهد البائس، دولةً فاشلة بكل المعايير والاعتبارات، وباتت سلطته المتحكّمة تشكل خطراً على الشعب وتهديداً للسلم الأهلي وحقوق الإنسان في هذا البلد.
طالَ أمدُ تشكيل حكومة المهمّة، لا لسبب دستوري أو وطني، بل بسبب سياسات الابتزاز والاشتراطات ووضع العقبات والعراقيل. لكن الأهم هو أنه ولو تشكلت الحكومة اليوم أو غدا أو بعده، فسيبقى هذا البلد كما هو؛ فساد ومناكفات ومحاصصات وسرقات وسمسرات ومؤامرات وأكاذيب وكيديّات وشعبويّات، وفوق ذلك تضييق على الحريات وغيرها الكثير الكثير من العيوب… لا أحد في الداخل أو الخارج ينتظر من سلطة فشلت في كل شيء أن تعيد الثقة إلى هذا البلد، فضلاً عن إيجاد حلول للأزمات المالية، والحياتية، ولفضائح الكهرباء والنفايات والتلوث وازدحام السير وانفلات الأمن وتعثر الاقتصاد، لأنها، ببساطة، غارقة في صلب الفساد، وصرف النفوذ، وتسخير أجهزة الدولة، وفي صلب تدمير الحياة الدستورية والمؤسساتية.
إنه بلد الغرائب، حيث «الاستثناء» هو «القاعدة»، ومفاهيم الوطنية والمصلحة العليا وسيادة الدستور وحكم القانون مجرد وجهات نظر، تتعدد وتختلف فيها وحولها وبسببها الآراء والاتجاهات، وهي أمور لا تجد لها مثيلاً في دول العالم، إلا تلك الفاشلة أو الهشّة. إنه زمن الرداءة، حيث تستبدل مفاهيم الالتزام الوطني وموجبات الدستور وأعراف الميثاق بتصرفات شاذّة ونافرة ومستهجنة ومستغربة، تقع خارج إطار كل تقليد أو عرف دستوري أو أخلاقي أو إداري..