مقالات صحفية

إلى “17 تشرين”: دعوة إلى الانتظام البنيويّ الفوريّ في قوامٍ سياسيٍّ وطنيّ تغييريّ

عقل عويط

إلى “17 تشرين”: دعوة إلى الانتظام البنيويّ الفوريّ في قوامٍ سياسيٍّ وطنيّ تغييريّ

عقل العويط

هذه رسالةٌ مفتوحةٌ إلى الناس والناشطين والثوّار، الذين صنعوا “17 تشرين”، نساءً ورجالًا، شابّاتٍ وشبّانًا، وأحلام تغيير.

ما أنجزته “17 تشرين الأوّل 2019″، أعمق من أنْ تُحصى فعائله ومترتّباته ونتائجه.

هو “شيءٌ” قد لا يتكرّر في الوقت، وفي الشكل، وفي النوع، إنّما يُبنى عليه، ويُعتَدّ به، باعتباره حدثًا تاريخيًّا مرموقًا يطاول في أبعاده الحياةَ الوطنيّة اللبنانيّة برمّتها. وفي مقدّم هذه الأبعاد، منطق العلاقة بين السلطة (الطبقة السياسيّة) والناس، بصفتهم أفرادًا ومواطنين وقوّة اعتراضٍ نوعيّة غير مسبوقة.

قد يمرّ وقتٌ عميقٌ جدًّا، قبل أنْ يتبلور منطق هذه العلاقة، ويترسّخ في الأذهان وفي الضمير الجمعيّ، ويتجلّى، ويتجسّد في وقائع وحوادث.

إلّا أنّ هذا المنطق الجديد في العلاقة بين السلطة والناس، بات فاعليّةً مرهوبة الجانب لا يستطيع حكمٌ، ولا عهدٌ، ولا ميزان قوى، أنْ يمحوها، أو يغفلها، أو يتغاضى عنها، أو يقفز فوقها.

أيًّا تكن الظروف التي انتهت إليها “17 تشرين” – وهي لم تستقرّ على حال ولن تستقرّ في المدى المنظور على حال -، فإنّ مؤسّسات السلطة القائمة، وخصوصًا منها الحكومة الجديدة، ستكون مضطرّة، في ضوء الوقائع والمعطيات المضافة، إلى تبديل أسلوبها في التعاطي مع الناس، بصفتهم أفرادًا ومواطنين وقوّة اعتراضٍ غير مسبوقة.

السلطة تدرك ذلك جيّدًا في نظرتها إلى المعادلات الداخليّة.

العالم الخارجيّ، بما هو قوى فاعلةٌ ومؤثّرةٌ ومتراكبةٌ ومتدخّلةٌ في الشأن الداخليّ، بات مضطرًّا هو الآخر إلى أنْ يأخذ في الاعتبار، هذه الحقيقة الوطنيّة الداخليّة المستجدّة، أكان في نظرته إلى الوضع اللبنانيّ برمّته، أو في علاقته مع السلطة القائمة.

خلاصة أولى:

– واقعيًّا وعمليًّا، لا رجوع بعد الآن عن “17 تشرين”.

– واقعيًّا وعمليًّا، لا قدرة لأحد، لأيّ طرفٍ في الداخل والخارج، على أنْ لا يتعامل مع هذه الحقيقة، باعتبار 17 تشرين طرفًا جوهريًّا في المعادلة الوطنيّة.

خلاصة ثانية:

ستتمكّن السلطة، بعد تأليف الحكومة الجديدة، من أنْ تأخذ جرعة حياةٍ مكينة، ومن أنْ تؤمّن للنظام فرصة عيشِ قد تكون طويلة.

ما العمل الآن؟

لا تستطيع “17 تشرين” أن تكتفي بما فعلته، ولا أنْ تتوقّف عنده. لئلّا ترتدّ السلطة ومكوّناتها على هذا الإنجاز التاريخيّ، وتستوعبه، وتتلاعب به، وتميّعه، وتنتزع “براثن” ثوريّته التغييريّة.

“17 تشرين” مدعوّة إلى تحمّل مسؤولياتها، باعتبارها صارت جزءًا نوعيًّا غير مسبوق في مكوّنات المعادلة الداخليّة.

“17 تشرين” لا تستطيع أنْ تستكمل مسيرتها، بحيث تؤتي ثمارها التغييريّة المرجوّة، إلّا إذا انتظمت في “قوامٍ” بنيويٍّ، سياسيٍّ، إطارُهُ وجوهرُهُ عملٌ تنظيميٌّ، مختلفٌ تمام الاختلاف، شكلًا ونوعًا، عن مكوّنات السلطة، والبنى والتنظيمات والأحزاب والتيّارات التي تتألّف منها الطبقة السياسيّة اللبنانيّة القائمة منذ عهودٍ وعقود.

لا غنى لـ”17 تشرين” عن مواجهة هذا “الاستحقاق”، أي الانتظام في “قوامٍ” بنيويّ – تنظيميّ – سياسيّ – وطنيّ، والصدوربـ“مانيفست” يختصر رؤيته الفلسفيّة – الفكريّة – الوطنيّة – السياسيّة (الحزبيّة)، لإنجاز الانتقال والتحوّل من قوّة اعتراضٍ إلى قوّة تغييرٍ وطنيّة.

خلاصة: كلّ إرجاءٍ لتظهير هذا الاستحقاق، وإخراجه بنيويًّا وتنظيميًّا (ونطريًّا) إلى العلن، من شأنه أنْ ترتدّ نتائجه السلبيّة على حركة التغيير نفسها، وعلى قواها الديناميّة والشبابيّة الفاعلة والمحوِّلة، كما من شأنه أنْ يعيد تحكّم قوى الطغيان والفساد والتخلّف والزبائنيّة بحياتنا السياسيّة والوطنيّة.

Akl.awit@annahar.com.lb

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى