كتب منير الربيع في “المدن”: الدور المتنامي الذي تضطلع به روسيا في المنطقة، وخصوصاً في سوريا، سينسحب على لبنان. بحكم التاريخ والجغرافيا، سيكون لبنان مستقبلاً خاضعاً لنفوذ روسي بالتكامل مع النفوذ الأميركي. في المعايير والمصطلحات اللبنانية، فإن منطقة النفوذ الروسية ستتركز في الشمال مع ترسيم الحدود مع سوريا البرية والبحرية، وما يرتبط بملف النفط خصوصاً أن هناك نقاطا شائكة في البحر، لا تنفصل عن الترسيم البري. وواشنطن تهتم بالجنوب وترسيم الحدود هناك بما يرتبط بأمن اسرائيل وتوفير أمن النفط ووجهة انتقاله. وهنا حتماً ستلعب روسيا دوراً أساسياً مع إيران وحزب الله المعنيين الأساسيين في المنطقة الجنوبية.
مفاتيح رئيسية
تجتمع موسكو وواشنطن في لبنان، كما في سوريا، على ضمان أمن اسرائيل. وهذا ملتقى استراتيجي بينهما، من دون اغفال التنافس على توسيع كل دولة لمناطق نفوذها. من هنا يبرز الاهتمام الروسي المديد بالملف اللبناني. وهو حتماً بالنسبة إلى الكرملين، ينطلق من سوريا، لأن من يسيطر عليها يتحكم بلبنان، ويملك المفاتيح الرئيسية فيه.
لا تنظر روسيا إلى السياسة اللبنانية كما يحاول أفرقاء لبنانيون النظر وفق حزازات ضيقة بينهم. وهي طبعاً لا تخضع لمزاج اللبنانيين الراغبين في الاستثمار بالعلاقة معها، لتصفية الحسابات مع خصومهم. وطبعاً، هي لا تضع نفسها في خانة يحاول بعض رموزالممانعة وضعها فيها، وهي خانة مواجهة الولايات المتحدة الأميركية. ما تريده موسكو هو التكامل مع الدور الأميركي وبسط النفوذ على هذا الأساس.
انزعاج الكرملين
منذ سنوات تقدم روسيا مبادرات عديدة لتعزيز التعاون مع لبنان، عبر عرض مساعدات عسكرية واقتصادية وغيرها، وغالباً كانت تصطدم بطريقة تعاطي القوى اللبنانية مع هذه الطروحات، التي تتعرقل بسبب حسابات ونكايات ومصالح شخصية وسياسية دفعت المسؤولين الروس إلى إبداء الانزعاج من طريقة بعض الأفرقاء في إدارة شؤون البلد، سواء عبر طريقة المقاولات و”الكوميسيونات”، أو عبر التنافس ما بين المستشارين لإثبات أنفسهم وجدارتهم لدى مرجعياتهم. فتحت سقف هذه الخلافات والحزازات، كانت تضيع كل الاتفاقات أو برامج المساعدة. فالبعض يريد أن يستثمر بعلاقاته الروسية لمواجهة الاميركيين. وهذا غير مطروح روسياً. فيما البعض الآخر يحاول كسب المواقف من روسيا، والتي تمنحه غطاءً لاتفاقاته مع الأميركيين، فيطلب المساعدة الروسية لمجرد الضغط على خصوم واشنطن للموافقة على ما يريده.
سوء الإدارة هذا، والترويج لدى اللبنانيين أن موسكو ترعى طرفاً واحداً في لبنان، بالإضافة إلى المطالبة بالحصول على الدعم الروسي لمرشح محدد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أزعج الكرملين أكثر. وهناك مراجعات روسية في طريقة التعاطي مع الملف اللبناني، على قاعدة أن العلاقات يجب أن تكون من دولة لدولة، وليس بين روسيا وقوى تتصارع فيما بينها. وهذا ما عطل الكثير من برامج المساعدات الروسية.
مبادرة جنبلاط وخططه
في الأسابيع الماضية، كان يفترض أن يزور عدد من السياسيين موسكو للقاء بوتين. لكن هذه المواعيد أُرجأت. وكأن المراد قوله هو ان السياسة الروسية لا ترتبط بأشخاص. من هنا جاء موقف السفير الروسي بضرورة إعطاء فرصة للحكومة الجديدة. في هذا الوقت تسربت معلومات عن نية روسيا مساعدة لبنان بوديعة بقيمة مليار دولار في المصرف المركزي. حسب المعلومات، فإن هذه الفكرة وغيرها من الأفكارالتي يتم وضعها في برنامج واضح للتعاطي مع لبنان، كان قد اقترحها وليد جنبلاط على السفير الروسي قبل شهر ونصف، وتحديداً عشية تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة. وعرض جنبلاط مجموعة نقاط حول كيفية تعزيز العلاقات الروسية اللبنانية في هذه المرحلة، بعيداً عن الحسابات الصغيرة التي يريد الأطراف اللبنانيون تحقيقها أو الاستثمار بها باسم روسيا.
واقترح جنبلاط أيضاً الاستثمار بخزانات النفط في الشمال من قبل الروس، وليس من قبل شركات ومقاولين لبنانيين، كانوا يحاولون تجيير نتيجة المناقصة التي فازت بها شركة روسنفت لصالح شركات لبنانية محسوبة على قوى سياسية. وكان هدف الاقتراح أن يحمي روسيا ومصالحها ويحمي مصالح الدولة اللبنانية بدلاً من تجييرها إلى شركات مقاولات تجارية وسياسية لمسؤولين لبنانيين. واقترح جنبلاط ترميم المصفاة أيضاً وليس فقط الاكتفاء بالتخزين، بل التكرير والتصدير إلى الخارج، وفق الموقف الذي أعلنه من عين التينة حول استقدام النفط عبر سوريا بحكم علاقة موسكو بالأسد، أو من تركيا أيضاً بحكم العلاقة التركية الروسية.
اقتراح جنبلاط هذا أتى خلال محادثات دارت بينه وبين السفير الروسي في بيروت قبل أكثر من شهر، تحت عنوان تعزيز العلاقات الروسية اللبنانية وتطويرها، خصوصاً انه بعد انفراط عقد التحالف بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، ستتضارب المصالح بينهما، وقد يتضرر لبنان. وخصوصاً أن مناقصة خزانات النفط كانت نتاج اتفاق مصلحي بين الطرفين عندما كان الوئام يسود بينهما. لكن حالياً يعملان على العرقلة على بعضهما في إطار حرب المستشارين للشؤون الروسية لدى كل منهما. وبهذه الحرب يتضرر لبنان كله.
يعرف جنبلاط كيف ينسج عمله ويطرح أفكاره، خصوصاً عند نظرته للأمور بأفق واسع خارج الحسابات اللبنانية الضيقة. وعلى الأرجح ان الرجل يفكر بما هو أبعد من ذلك، ربطاً بعلاقته مع الأميركيين والروس في الوقت نفسه. وعندما يتقدم الروس في لبنان حتماً سيتقدم الآخرون لا سيما الأميركيين. جزء من هذه الأفكار والدور سيبحثها جنبلاط خلال زيارته إلى موسكو في الفترة المقبلة. وهو كان قبل أيام قد أرسل موفده الخاص الى روسيا حليم بو فخر الدين لطرح هذه الأفكار ووضع إطار عملي لها.