لم يكن يتوقع أحد أن تمر الموازنة المالية بأصوات خجولة نسبياً: 49 نائباً. أين الباقون؟ اذا كانت كتل “القوات” و”الكتائب” ونواب مستقلين قاطعوا الجلسة النيابية لأسباب سياسية وتقنية، فإن حضور كتلة “المستقبل” ونواب من “الوسط المستقل” و”اللقاء الديمقراطي” انقذوا البلد من أزمة إقتصادية ودستورية ومؤسساتية نتيجة حضورهم جلسة الموازنة وتأمين النصاب لإنعقادها بعد انتظار وتأخير كان خلالها رئيس المجلس النيابي نبيه بري يستنفر بإتصالات ادّت الى حضور نواب في اللحظة الأخيرة قبل البدء بالجلسة.
إستغراب لافت حمل معه أسئلة بالجملة عن سبب تغيّب نواب سمّوا حسان دياب لرئاسة الحكومة. يوجد 12 نائباً من أصل 69 الذين سموا دياب، وهم عملياً من نسيج حلف “8 آذار”، تغيّبوا عن جلسة الموازنة: لماذا غاب النواب: عبدالرحيم مراد، جهاد الصمد، فيصل كرامي، طلال ارسلان وآخرون؟ هل هناك رسالة سياسية أراد المتغيّبون إرسالها؟ لمن؟ في حال وجود تلك الرسائل فإنها ستكون للحكومة الجديدة، لكن هم جزء منها، ولا يُعقل منطقياً أن يُصار إلى طعنها في الخاصرة. وإذا كانت الرسائل لرئيس المجلس، فهو يرتبط بعلاقات جيدة مع النواب المتغيّبين، ولا هم بوارد أن يقطعوا العلاقات معه، ولا مصلحة لهم بذلك. مما يعني ان النواب المتغيّبين يريدون إرسال رسائل “للحراك الشعبي” بأنهم يميّزون أنفسهم عن الآخرين، تحت عنوان عدم الموافقة على موازنة قدّمتها حكومة سعد الحريري. لا يوجد تفسير منطقي آخر، خصوصا ان الأكثرية النيابية في الحلف المذكور كانت حاضرة في ساحة النجمة، بينما لفت عدم وجود إندفاعة لتكتل “لبنان القوي” الى جانب اقرار الموازنة، بدليل غياب النائب جبران باسيل، رغم ان النائب ابراهيم كنعان هو رئيس لجنة “المال والموازنة النيابية” وهو أمين سر تكتل “لبنان القوي”، الذي لعب دوراً اساسياً في القيام بتعديلات على مشروع الموازنة الذي احالته الحكومة الى المجلس النيابي.
يمكن استخلاص هذه القراءات من خلال جلسة الموازنة: اولاً، تفكك الجسم التقليدي لقوى 8 آذار، وعدم تنسيقها ولا انسجامها فيما بينها.
ثانياً، وجود حالة إرباك عند القوى السياسية عبّرت عنه في التعامل مع ملف الموازنة المالية.
ثالثاً، عدم ثبات التعاطي مع الحكومة، ولا وجود رؤى سياسية ثابتة وموحّدة إزاءها، مما يعرضها للإهتزاز عند أول مفترق.
رابعاً، عدم حسم الثقة بالحكومة في الجلسة المقبلة المخصصة لها، وإمكانية عدم وجود نصاب في حال كرر النواب المتغيّبون فعلتهم.
خامساً، وجود مايسترو إسمه برّي قادر على استحضار الدعم النيابي ساعة يشاء، كما حصل في حضور نواب “المستقبل” ومن كتلتي “الوسط المستقل” و”اللقاء الديمقراطي”.
سادساً، انفتاح سيناريوهات التحالفات النيابية والسياسية على كل الاتجاهات.
سابعاً، تأكيد بري ان امام الحكومة ثلاثة او اربعة أشهر لتحقيق انجازات. مما يشير إلى ان عدم توافر الإنتاجية الحكومية سيعرضها للإطاحة.
ثامناً، لم يكن الحراك اي الشارع وازناً نتيجة غياب التحشيد السياسي الخفي والعلني لإفشال الجلسة.
تاسعاً، حين يتوافر القرار العسكري والأمني للضبط، يُصبح الشارع مضبوطاً بالفعل.
عاشراً، هناك شيء ما حصل في الكواليس لإتمام الجلسة بنصابها وقرارها. ما هو؟ حتى الآن غير واضح ” النشرة”