نتجاوز زمن الثورة ومحاذير الإشادة بأحد الوزراء السابقين رغم شعار “كلن يعني كلن” الذي يجب أن يخرق اليابس لا الأخضر، حرصاً على تجربة استثنائية ورائدة قدّمها الوزير كميل ابو سليمان في فترة قصيرة نسبياً تاركاً بصمات تصلح لأن تكون خارطة طريق للإصلاح المنشود في إدارة بعضها فاسد وبعضها الآخر مهترئ فيما الصالح منكفئ.
خاض أبو سليمان، الآتي من عالم المال والأعمال والقانون حيث حقق نجاحات وسمعة طيبة إلى مغارة وزارة العمل صاحبة السمعة الأسوأ بين الوزارات، التحدي وغمس يديه في بؤرة فساد من دون أن تتلطخا بلوثة او بشبهة وعالج واجهة الوزارة وانتقل لمعالجة الداخل فأضاء الدهاليز وأقفل الدكاكين حتى باتت الوزارة مثالاً يحتذى في مكافحة الراشي والمرتشي بإجراءات هادئة وسلسة وصارمة أثبتت أن من يريد يستطيع.
هذا النهج الذي أرساه ابو سليمان في مكاتب وزارة العمل ترافق مع تدابير جريئة للخروج من رتابة العمل الإداري وتسيير معاملات اللبنانيين والأجانب إلى تنفيذ القوانين والمهام المولجة بها الوزارة واتخذ خطوات لمعالجة الفوضى في العمالة الأجنبية فأصاب عصفورين بحجر واحد، تنظيم العمالة الأجنبية وإعادة الإعتبار للعامل اللبناني بحيث تم تأمين آلاف فرص العمل بعد استغناء عدد كبير من المؤسسات عن العمال الأجانب واستبدالهم بكفاءات لبنانية، وما لم تسمح التطورات بتطبيقه من الخطوات كان أعظم وأعمق وأعمّ.
ما حققه أبو سليمان لم يكن سحراً بل حلماً لطالما راود اللبنانيين بالحصول على طبقة من المسؤولين ترعى شؤونهم وتصون حقوقهم وواجباتهم ولا تتعارض مصالحهم الشخصية مع مصلحتهم الوطنية في الوصول إلى دولة العدالة التي تراعي وتصون القوانين المرعية الإجراء وتطورها ليثبت نهج أبو سليمان أن الخلل ليس في النظام الذي يتضمّن سبل التطوير الذاتي بل في المنظومة التي تطبّقه استنسابياً وفقاً لمصالحها.
ولم يكتفِ أبو سليمان بشؤون وزارته بل ساهم في مناقشة الخطط التي تعتبر استراتيجية للدولة ووضع كل خبراته وإمكاناته وعلاقاته لطرح اقتراحات وحلول في الموازنة وأزمة الكهرباء بكافة جوانبها، بالإضافة إلى التنبيه من محاذير السياسات المالية المتبعة والعجز المتفاقم وقدّم رؤيته للمعالجة قبل الوصول إلى الوضع الحالي من دون أن تجد هذه الطروحات الإصلاحية سبيلها إلى الخواتيم السعيدة وبقيت صرخة مدوية في وادي عدم المسؤولية ليتردد صداها بعد حين من شوارع ثورة ١٧ تشرين إلى منابر المجتمع الدولي.