بيروت-“القدس العربي”: بعد أيام على تأليف الحكومة الجديدة لفت أن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كان من أوائل القادة الذين طالبوا بمنح الحكومة فرصة للعمل، شأنه شأن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وبعده رئيس “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري.
ووراء دعوة البطريرك الماروني إلى منح الحكومة فرصة قلق على لبنان ومصلحته العليا في ظل أسوأ أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية يشهدها البلد منذ مئويته الأولى التي كان للكنيسة المارونية دور أساسي في تأسيس الكيان اللبناني بحدوده الجغرافية الحالية إلى جانب الموحّدين الدروز بمسعى من البطريرك الياس الحويّك الذي استحق لقب أب لبنان الكبير عام 1920 بعد ما ترأس الوفد اللبناني الرسمي بمسيحييه ودروزه ومسلميه إلى مؤتمر الصلح في فرساي-باريس سنة 1919.
وحسب زوار بكركي فإن القلق على لبنان الكبير هو قلق حقيقي، ولا يتردّد بعض المطارنة في الهمس بأننا “كنا في لبنان الكبير عام 1920 وأصبحنا في لبنان الفقير عام 2020”. من هنا تُفهَم دعوة البطريرك الراعي إلى الشعب اللبناني لمنح أي حكومة فرصتها للعمل وعدم التسرّع بالتشكيك والرفض، أملاً في وضع برنامج إنقاذي وخطة عمل وإذا لم تفعل عندها يصبح التظاهر والاحتجاج حقاً مشروعاً.
ومَن يزور الصرح البطريركي لا بدّ له أن يسمع من سيّد بكركي ترداداً وتأكيداً على شعاره فور تنصيبه بطريركاً حيث أطلق شعاره الشهير لخدمته البطريركية “شركة ومحبة” والمقصود به حسب البطريرك بين المسيحية والإسلام والذي يجسّده الاحتفال المشترك بعيد البشارة الذي تحوّل إلى عيد وطني في 25 آذار/مارس. ويوضح البطريرك أن “ما عناه بمبادرته هو أن لبنان وطن الشركة والمحبة بميثاقه الوطني ميثاق العيش المشترك القائم على الاعتراف المتبادل بعضنا ببعض، وعلى وحدة المصير، والتكامل في تكوين النسيج الوطني الواحد”. ويذكّر الراعي كيف أن سلفه البطريرك الياس الحويك كان يدافع عن كل اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، وعندما اعترض عليه الفرنسيون وقالوا له “أنت المسيحي وتدافع عن مسلم أنت ما هي طائفتك؟” أجاب: “طائفتي لبنان”.
غير أن البطريرك المتمسّك بأن يكون امتداداً لتاريخ أسلافه على مدى 1600 سنة وبثوابتهم الوطنية والذي يسعى جاهداً ليكون “الحلقة التي لا تنكسر” بعد البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، الذي ناضل من أجل الاستقلال الثاني وتحرير القرار الوطني والأرض اللبنانية من كل أشكال الوصاية والاحتلال وأجرى مصالحة الجبل، لا يخفي متابعته لليوميات السياسية في لبنان ولضرورة الحفاظ على جوهر لبنان ودوره كرسالة وعلى موقع رئاسة الجمهورية والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين. ولذلك أبدى حسب الزوار اعتراضه أمام نقابة الصحافة على استقالة رئيس الجمهورية في المبدأ، ومن هذا المنطلق لا تبدي أوساطه ارتياحاً للتسريبات حول رغبة فريق في مكان بضرورة تخلّي الموارنة عن أحد موقعي حاكم مصرف لبنان أو قائد الجيش، في وقت لم ينسَ المسيحيون كيف طار من يدهم موقع المدير العام للأمن العام في عهد الرئيس اميل لحود ولم يعد بعده.
واللافت أن مثل هذه التسريبات تزامنت مع حملة الابتزاز والضغط التي تعرّض ويتعرّض لها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على خلفية الإجراءات التي يتخذها توافقاً مع العقوبات الأمريكية على حزب الله ولعدم تهريب الدولارات من لبنان إلى سوريا بهدف إزاحته عن البنك المركزي، محاولين إلباسه هو لا السلطة السياسية المتعاقبة مسؤولية ما وصلت إليه الأزمة المالية والاقتصادية في البلد.
وإذا كان البطريرك لم يصدر عنه أي موقف حيال محاولة استهداف حاكم مصرف لبنان، إلا أنه قد لا يبقى صامتاً عندما يحين الوقت ولاسيما أن رياض سلامة هو من الشخصيات التي تحظى بثقة البطريرك الذي يصفه بـ “الاوقيانوس الهادئ”.
وعلى ضوء التحديات الكبرى التي يعيشها لبنان في مئويته الأولى، تبدو الكنيسة المارونية على مفترق طرق مصيري. فهل يستمر لبنان الكبير لمئة سنة أخرى كبلد حريات وتنوّع وتفاعل للحضارات أم تكون هذه المئوية مناسبة لإعلان دفن الصيغة اللبنانية بسبب الصراع المستمر على الهوية والانتماء والوطنية؟ وإذا كان البطريرك الماروني استحق شعار “مجد لبنان أعطي له” المأخوذ من نبوءة أشعيا، فحسب البطريرك الراعي “إن مجد لبنان في رسالته ينمو ويعلو بالانفتاح على الآخر على الشرق وعلى العالم ويُنتقَص بالانغلاق على الذات والتقوقع أو باحتكار فئة للوطن “.