تبدو الحكومة اللبنانية الجديدة كمن يرزح في منتصف منحدرٍ محاولاً دفع كرة كبيرة كي لا تطيح به. والكرة هنا هي الانهيار الاقتصادي الذي يتحدث عنه كثيرون رأوا في مجلس الوزراء الجديد فرصة للإنقاذ، بينما وصفه آخرون بـ “حكومة الانهيار”.
وتمكن حسان دياب، بعد مرور شهر على تكليفه، من تشكيل حكومة مدعومة من قوى 8 آذار (حزب الله، حركة أمل، التيار الوطني).
ويعتمد تقييم عمل الحكومة الجديدة على مدى نجاحها في انتشال البلاد من أتون أزمتها الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990)، ودون ذلك سلسلة من التحديات مرتبطة حلقاتها ببعضها البعض، فما هي أبرزها؟
إرضاء الشارع
لم يختر الحراك الشعبي حسان دياب رئيساً للحكومة، بل أن مجموعات منه تظاهرت أمام منزله أكثر من مرة ورفضت الحوار معه، علماً أنه يقدّم نفسه على أنه يمثل تطلعات المحتجين.
وبعد تمكنه من تشكيل حكومة، اندلعت احتجاجات في بيروت وقُطع العديد من الطرقات من قبل المناهضين لها، وشكك البعض في استقلالية الوزراء الاختصاصيين عن القوى السياسية، وهو ما كشفته النزاعات بين الأحزاب على الحصص قبيل ولادة الحكومة.
كما لاقت تصريحات دياب وعدد من الوزراء صدىً سلبياً في الشارع. فعلى سبيل المثال، قال دياب إن إقالة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة غير واردة حالياً.
ومن المعلوم أن المحتجين ساخطون على سياسات المصرف المركزي ويحملون حاكمه مسؤولية رسم هذه السياسات.
وقد أشار وزير المالية، غازي وزني، إلى أن إعادة سعر الدولار إلى 1507 ليرة شبه مستحيلة حالياً.
في المقابل، أبدى كل من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وزعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط. لفتة إيجابية باتجاه الحكومة الجديدة، فأيّد الأول منحها فرصة، ورأى الثاني أن “أي حكومة أفضل من الفراغ .. ومن الأفضل أن نكسر الحواجز كي لا نضيع في لعبة الأمم”.
قبول دولي
وتتمثل “لعبة الأمم” بالنسبة للبنان الآن في إمكانية تلقي الدعم الاقتصادي اللازم للنهوض. وجاء واضحاً كلام رئيس الجمهورية ميشال عون في هذا الشأن عندما قال إن هناك ضرورة للعمل على استعادة ثقة المجتمع الدولي.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، لوكالة “بلومبيرغ” إن بلاده مستعدة لتقديم الدعم “ولكن فقط لحكومة ملتزمة بالإصلاح”.
وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على شخصيات من حزب الله وشخصيات أخرى اعتبرتها مرتبطة به، كما أزالت “جمال ترست بنك” عن لائحة “أوفاك” (اللائحة التي يصدرها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية)، ما أدى إلى تصفيته، بتهمة تقديم خدمات مصرفية للحزب.
وهنا يفتح السؤال حول مدى إمكانية تعاون أمريكا مع حكومة يصفها البعض بـ “حكومة حزب الله”، على الرغم من أنه ليس للحزب فيها سوى وزيرين فقط من أصل عشرين وزيرا.
وقال بومبيو لدى سؤاله عن إمكانية التعامل مع هذه الحكومة “سيتعين علينا إلقاء نظرة على ذلك (ارتباط الحكومة بحزب الله) وليس لدي جواب على هذا الأمر بعد”.
أما الموقف الفرنسي فعبّر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون بقوله إن بلاده سوف تبذل ما في وسعها من أجل مساعدة لبنان.
ورعت فرنسا مؤتمر “سيدر 1” الذي عقد في أبريل/نيسان 2018، والذي من المفترض أن يمنح لبنان نحو 12 مليار دولار كهبات وقروض بفائدة 1.5% من دول وبنوك عربية وأوروبية وهيئات دولية، لاستثمارها في البنى التحتية وزيادة فرص العمل.
لكن الإفراح عن أموال “سيدر1” مرتبط بعملية الإصلاح التي يشترطها المانحون، بينما تربطه أطراف لبنانية بشروط سياسية أيضاً.
ولم يجد وزير المالية غازي وزني حرجاً في أن يصرح بحاجة لبنان إلى مساعدة خارجية، مشيراً إلى تطلع لبنان إلى تدبير قروض ميسرة من المانحين الدوليين تتراوح بين أربعة إلى خمسة مليارات دولار لتمويل مشتريات القمح والوقود والأدوية.
ضبط سعر الليرة
قبيل ساعات من الإعلان عن تشكيل الحكومة، حددت نقابة الصرافين بالتشاور مع حاكم مصرف لبنان سقفاً لسعر صرف الدولار بـ 2000 ليرة لبنانية للشراء و2050 للمبيع، بعد أن وصل قبل أسبوع إلى 2500 ليرة للشراء.
وأثار بيان نقابة الصرافين التساؤلات حول عدم وضعها سقفاً لسعر الصرف في الأشهر الماضية، مع أن التلاعب في سعر الصرف لا يزال مستمراً.
وقال وزني في حوار مع “بي بي سي” إن الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة يعني أن “لا نشهد تقلبات حادة صعوداً أو نزولاً فيه”، أي ليس تثبيته على 1507 كما كان سابقاً، في إحالة إلى تصريحه سابقا عن صعوبة ذلك.
ولوحظ في الأشهر الأخيرة ارتفاع في أسعار السلع، ولامس بعضها ضعف السعر قبل الأزمة، نتيجة عدم استقرار سعر الصرف.
وقالت جمعية حماية المستهلك إن أسعار السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية “تجاوز الـ 40% خلال الأشهر الثلاثة الماضية” وفق جولاتها على المتاجر التي تختلف الأسعار فيما بينها.
وسطرت الجمعية عشرات المحاضر بحق المتاجر المخالفة. إلا أن ذلك لا يعد حلاً في ظل التلاعب بسعر صرف الليرة.
ويقول أصحاب المتاجر إنهم في بعض الأحيان يشترون وفق سعر معين للدولار ثم يضطرون إلى رفع سعر السلعة، لتحقيق الربح والتمكن من شرائها مجدداً، بعد ارتفاع سعر الصرف.
ورغم ايجاد حل مؤقت لشهرين بين مستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية من جهة والمستشفيات من جهة أخرى يقوم على تثبيت سعر صرف الدولار عند حد معين، إلا أن ذلك يبقى عبئاً إضافياً على الحكومة الجديدة جراء ارتباط الأزمة بسعر الصرف.
وعانى بعض المستشفات من نقص في المستلزمات الطبية حال دون استقبالها بعض المرضى.
تأمين الودائع
ربما تعد طمأنة المودعين على أموالهم في البنوك أكثر ما يمكن أن يهدأ من روع المحتجين.
ويتهافت اللبنانيون بشكل يومي على المصارف، لسحب أموالهم، منذ أكثر من شهرين، مما دفع المصارف إلى وضع سقوفٍ للمسحوبات النقدية والائتمانية والتحويلات الخارجية تتراوح بين الـ 200 والـ 300 دولار حسب سياسة كل بنك.
وتعرضت واجهات المصارف في شارع الحمراء إلى التكسير الأسبوع الماضي من قبل محتجين.
وأشار وزني إلى أن طمأنة المودعين تساهم في التقليل من التهافت على الدولار، في ظل مخاوف من إفلاس بعض المصارف.
وكان حاكم مصرف لبنان طالب بتنظيم السقوف على “الكابيتال كونترول”، الذي يشمل سقوفاً على السحوبات المالية والائتمانية إضافة إلى التحويلات النقدية، دون أن يلقى رداً من وزير المالية السابق علي حسن خليل.
كما قال سلامة في وقت سابق إن “البنوك غير مضطرة إلى إعطاء الدولارات للزبائن، وإنما فقط الليرة”، لكنه عاد ونفى قائلاً إنه لم يذكر أن المصارف يمكن أن تحول الودائع لديها التي هي بالدولارات إلى الليرة.
تفعيل القطاعات الإنتاجية
يمثل تطوير قطاعي الزراعة والصناعة حاجة ملحة لتغيير بنية الاقتصاد اللبناني الخدماتي والمساهمة في عجلة الإنتاج وبما يوفرانه من فرص عمل في الأرياف على وجه الخصوص.
وتبلغ قيمة الإنتاج الزراعي السنوية حوالى 2 مليار دولار، بيد أن 23% من صادرات لبنان الغذائية خصصت للسلع الزراعية بقيمة 667 مليون دولار، وذلك عام 2018، بينما استورد لبنان منتجات غذائية بقيمة 3.5 مليار دولار في العام نفسه، وفق تقرير لصحيفة “الأخبار”.
وفي تقرير صادر عن جمعية الصناعيين اللبنانيين بالتعاون مع وزارة المالية عام 2017، ظهر هبوط حجم الأعمال في القطاع الصناعي بين عامي 2012 و2015 بقيمة 1.8 مليار دولار، وتراجع من 10.5 مليار عام 2012 إلى 8.8 مليارات عام 2015.
ووفق مراقبين من الصعب أن يتحقق ما سلف من دون رؤية جديدة للاقتصاد اللبناني وتفعيل آليات الإصلاح الذي عادة ما اصطدم بعوائق صلبة مرتبطة بطبيعة النظام الطائفي في لبنان.