اتسمت ردود الفعل في الأسواق اللبنانية بالحذر والترقب لمعالم المرحلة التالية لتأليف الحكومة، فعوّضت أسعار سندات الدين الدولية جزءاً بسيطاً من خسائرها، وتواصل هبوط البورصة بقيادة الأسهم المصرفية الضعيفة، بينما تراجعت الضغوط نسبياً في سوق القطع، بانتظار استيعاب خلفية إعلان نقابة الصرافين تثبيت سعر شراء الدولار عند عتبة 2000 ليرة كحد أقصى.
وجزمت مصادر مالية ومصرفية بأن وجود الحكومة الجديدة يكفل دستورياً تصحيح الوضع المؤسساتي، لكن سوء الأوضاع وجدية الاختناق المالي يستلزمان وضع خريطة طريق إنقاذية عاجلة تستجيب لمطالب الاحتجاجات الشعبية، وتتضمن آليات واضحة لتنفيذ البرنامج الإصلاحي الشامل الذي تقدمت به الحكومة السابقة إلى مؤتمر سيدر في نيسان 2018 مقابل الحصول على برنامج دعم وتمويل بقيمة تصل إلى 11 مليار دولار.
وأكد مصدر مصرفي رفيع لـ«الشرق الأوسط»، أن مدى «الاستجابة العربية والدولية للمساهمة في توفير دعم مالي فوري لتعويض الاختلالات لبرامج الإنقاذ التي يمكن اعتمادها من قبل الحكومة الجديدة، يمثل المؤشر الأهم الذي ينبغي رصده في الأسابيع المقبلة. فمن دون هذه الاستجابة ومقدارها لا يمكن توقع تحولات إيجابية تخرج البلاد من أزماتها العاتية، وبالأخص في المجال المالي».
وتلاقى وزير المال الجديد غازي وزني مع هذه التوقعات في إطلالات إعلامية متعددة أمس، حيث صرح «أن الأزمة المالية والنقدية التي يشهدها لبنان غير مسبوقة»، وقال إنها تحتاج إلى دعم الداخل والخارج. وإذا استمرت هذه الأزمة فسوف نصل إلى الإفلاس، مشيراً أيضا إلى أن لبنان «يعيش في انكماش اقتصادي ويتعين على الحكومة أن تضع خطة أو برنامج إنقاذ من أجل استعادة الثقة».
وينتظر حملة السندات أول قرارات الحكومة بشأن المستحقات المتتالية خلال الأشهر المقبلة وقيمتها الإجمالية تصل إلى 4.6 مليار دولار، موزعة بين استحقاق وشيك لثلاثة إصدارات قبل منتصف هذا العام بقيمة إجمالية تبلغ 2.5 مليار دولار وفوائد على مجمل محفظة السندات تبلغ نحو 2.1 مليار دولار، علما بأن القيمة الإجمالية للمحفظة تصل إلى نحو 30 مليار دولار، نصفها محمول من الجهاز المصرفي المحلي وثلثها من قبل مستثمرين خارجيين، فيما يحمل البنك المركزي نحو 5.7 مليار دولار منها.
في المقابل، بدت سوق القطع أقل اضطرابا من الأيام السابقة وتدنت المستويات السعرية لتبادلات الدولار الأميركي في السوق الموازية إلى ما بين 2000 و2100 ليرة، ويترقب المتعاملون توضيحات من قبل البنك المركزي ونقابة الصرافين بعد الإعلان عن اتفاق بتحديد سقف موحد لشراء الدولار عند 2000 ليرة كحد أقصى.
واستغرب مصرفيون وخبراء الإعلان عن هذا الاتفاق ومضمونه عشية تشكيل الحكومة الجديدة، كونه لا ينسجم مع قاعدة العرض والطلب التي تقرر سعر العملة خارج السعر الرسمي المعتمد لدى المصارف والذي يحميه البنك المركزي عند متوسط 1507 ليرات لكل دولار.
فمن شأن التسعير الجديد أن ينتج اضطرابات جديدة كونه يقتصر على الشراء من قبل الصرافين من دون عرض سعر مواز لسعر البيع، وهذا يعني حكما نشوء سوق موازية جديدة للتداولات على قاعدة العرض والطلب الفعلية وليس المصطنعة. وعُلم أن نقابة الصرافين بصدد عقد مؤتمر صحافي لشرح مضمون البيان الملتبس الذي أعلنته بشأن التسعير الجديد.