تحليل السياسات

أخطر ما سيحصل في 2020

أنطوان فرح - الجمهورية

يستعدّ المجلس النيابي لمناقشة مشروع موازنة 2020. وفي الأروقة السياسية يدور جدل حول دستورية انعقاد المجلس في ظلّ حكومة تصريف أعمال لإقرار موازنة عامة. لكنّ المشكلة تكمن في مكان آخر، حيث يبدو أن ما رُسم لن يكون مطابقاً للواقع الجديد الذي سترتسم معالمه خلال العام 2020.
في العادة، تعاني الموازنات العامة في لبنان من 3 نقاط ضعف أساسية هي:
أولاً – خطأ دائم في التقدير، بحيث انّ أرقام آخر السنة، تأتي دائماً غير مطابقة للتقديرات الواردة في الموازنة، وأحيانا تكون الفروقات شاسعة، وغير منطقية، كما حصل في العام 2018.
ثانياً – تتأخّر الموازنات في مواعيد إصدارها، وغالباً، ما يبدأ الصرف وفق القاعدة الاثني عشرية لفترة قبل أن تدخل الموازنة الجديدة حيّز التنفيذ. وهذا ما سيحصل مثلاً في العام 2020.
ثالثاً – أصبح العجز السنوي واقعاً لا يمكن الخروج منه، حتى لو أصبح هذا العجز يشكّل خطراً شبه وجودي، فإنّ التعامل معه حتى الآن جرى بأسلوب عقيم، مقارنة مع هول المأساة التي حلّت بالبلد.
ضمن نقاط الضعف هذه، ورغم الجهود المميزة التي بذلتها لجنة المال والموازنة ضمن الإمكانات المتاحة، أصبحنا اليوم في مكان آخر مختلف. وبين يدينا موازنة لاقتصاد لم يعد موجوداً. لجنة المال قامت بواجباتها كاملة وحبة مسك، بما يتيح لها القانون والدستور، وبَنت مشروع موازنة، وكما هي الأصول في الفترات الطبيعية، استناداً الى أرقام النصف الاول من 2019، أي احتسبت الواردات والنفقات في 6 أشهر، وأخذت في الحسبان تراجع الإيرادات في الشهرين الاخيرين من العام 2019، وأنجزت المشروع.
وفي الأرقام الواردة في الموازنة، نتائج يُفترض أنّها جيدة فيما لو كان الوضع طبيعياً. على سبيل المثال، لا يتجاوز العجز قياساً بالناتج المحلي (GDP)، الـ5,7% من دون احتساب الكهرباء. اذا أضفنا الدعم المقرّر للكهرباء (1500 مليار ليرة)، يرتفع العجز المقدّر الى 7,38%. اشارة الى أن العجز في العام 2018 ارتفع الى أعلى من 11% قياساً بالناتج.
كل هذه الأرقام من الماضي، وما سنشهده في 2020، سيكون مشهداً مختلفاً تماماً، وهو من أخطر المشاهد التي تمرّ بها الدول في ازمات شبيهة بالأزمة المالية والاقتصادية التي تمرّ على لبنان.
في مراجعة لسجلات دول انهارت مالياً واقتصادياً، مثل اليونان، فنزويلا وسواهما، يتبيّن انّ أزمة الانهيار التي تمتدّ لسنوات، تبدأ في التصاعُد ببطء، ثم تصل الى مرحلة يصبح معها الانهيار سريعاً ومن ثمّ تبلغ الذروة، وتستمرّ هكذا لسنتين أو ثلاث وربما أكثر، قبل أن تبدأ في التراجع في اتجاه التطبيع الذي يحتاج الى سنوات عدّة، وفق خطة الإنقاذ، ووفق ظروف كلّ بلد.
ما يتبيّن اليوم، أنّ الأزمة في لبنان سوف تجتاز مرحلة الانهيار السريع بدءاً من 2020. وهذا يعني انّ الارقام التي نبني عليها الموازنات لن تكون موجودة، وستحلّ مكانها أرقام جديدة لا علاقة لها بالأرقام القائمة.
قبل الوصول الى الواردات والنفقات، لا بد من التركيز على الناتج المحلي الذي تُظهر أرقامه في العادة، خط سير الأزمة. في 2019، هناك تقديرات بأنّ النمو كان سلبياً بواقع ناقص 2. فيما توجد تقديرات للبنك الدولي بأنّ النمو قد يرتفع الى 0.3% في 2020. لكن هذه التقديرات قديمة نسبياً، وصدرت قبل ظهور مؤشرات وصول الأزمة الى مرحلة الانهيار الدراماتيكي المعروف في مثل هذه الحالات.
وبالتالي، اذا كان حجم الاقتصاد أصبح حوالى 54,5 مليار دولار في 2019، فإنّه قد يتدحرج الى حوالى 45 مليار دولار في 2020. كما انّ الواردات المقدرة في مشروع الموازنة بأنها ستقارب الـ12,5 مليار دولار، قد تنخفض دراماتيكياً الى حوالى 7 أو 8 مليارات دولار، وهو المبلغ الذي يكفي لدفع الرواتب، ويبقى منه القليل لتسيير العمل.
وهذا يعني انّ العجز في الموازنة سيقارب الـ9 مليارات دولار. لكن الأخطر أن هذا العجز وقياساً بالناتج المحلي (حجم الاقتصاد)، قد يرتفع الى حوالى 19% وهو رقم بلغته دول عانت ما يعانيه لبنان اليوم. لكنّه رقم كارثي، ويعني ما يعنيه من تعميم الفقر على النسبة الأكبر من اللبنانيين.
الوصول الى هذا الرقم نابع من واقع واضح أمامنا. والكل يعرف انّ حجم الناتج المحلي يجري احتسابه وفق قاعدة (GDP=C+I+G+X-M) أي الانفاق الاستهلاكي + الاستثمارات العامة والخاصة + الانفاق الحكومي+ التصدير والاستيراد. ومن خلال ارقام الشهرين الأخيرين من 2019، ومن خلال بناء رسم بياني لمحاكاة النتائج التي سنصل اليها في نهاية العام 2020، يصبح مسموحاً الاعتقاد انّ الناتج المحلي قد يهبط الى حوالى 45 مليار دولار.
وفي المناسبة، بلغ الناتج المحلي في اليونان في العام 2008 حوالى 354 مليار دولار. ومن ثمّ بدأ يتراجع خلال السنوات التي سبقت الانهيار وخلاله، حتى وصل الى حوالى 195 مليار دولار في العام 2016. بما يعني انّه هبط بنسبة 55% في 8 سنوات.
إنطلاقاً من هذا الواقع، وبصرف النظر عن مصير موازنة 2020، أصبح الوضع قاتماً، ليس لأنّ المعالجة صعبة ومعقدة، بل لأنّ الطبقة السياسية لا تزال في مكان آخر، لا علاقة له بالواقع المأساوي والكارثي الذي يتحضّر له البلد بدءاً من هذا العام. في السياسة، ما زلنا عند نقطة أنّ فلاناً يصرّ على توزير أحدهم، وهناك طرف سياسي يقول له لا، لن نقبل بتوزيره! وعند هذا الحدّ تبدو الحكومة عالقة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى