يواجه قادة إيران تحدّياً كبيراً مع تعاظم الغضب الشعبي العارم بعد فشل النظام في التغطية على وقوف الحرس الثوري خلف إسقاط الطائرة الأوكرانية المدنية المنكوبة واضطرار “الحرس” لاحقاً إلى الاعتراف باقترافه هذه المجزرة التي ذهب ضحيتها 176 راكباً، معظهم إيرانيّون، وكثيرون منهم أكاديميّون كانوا في طريقهم إلى كندا. وعلى الأثر، طفح كيل شريحة كبيرة من الإيرانيين فشهدت العاصمة طهران ومدن عدّة أخرى في البلاد، لليوم الثاني توالياً، موجة احتجاجات أخذت بالاتساع حتى وصلت بالأمس إلى “ميدان آزادي” وسط طهران في تصاعد سريع للتظاهرات الصاخبة، بحيث خرج آلاف المتظاهرين في شوارع طهران، بينما استخدمت قوّات الشرطة الغاز المسيّل للدموع والرصاص الحيّ لتفريق التظاهرات.
ووسط حضور كبير لشرطة مكافحة الشغب في “ميدان آزادي” ومناطق رئيسيّة في العاصمة، وانتشار لعناصر من “الحرس الثوري” على متن درّاجات ناريّة، ومن عناصر قوّات الأمن بلباس مدني، رفع المحتجّون في محطّات مترو الأنفاق في العاصمة شعارات مناوئة للنظام وأخرى ضدّ رجال الدين والسلطات، بينها: “سأقتل من قتل أخي”. وردّد المتظاهرون أيضاً شعارات: “لا نُريد نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، نُطالب بالاستفتاء”، و”الموت للديكتاتور”، في إشارة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، كما ظهر في مئات الفيديوهات التي تناقلها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأظهرت مقاطع مصوّرة نُشِرَت بكثافة على “تويتر”، آلاف المحتجّين أمام جامعة في طهران يهتفون: “يكذبون ويقولون إنّ عدونا أميركا، عدونا هنا”. وفي لفتة رمزيّة معبّرة جدّاً، رافضة لـ”بروباغندا النظام”، ظهر فيديو لطلاب جامعة بهشتي في طهران، وهم يتجنّبون السير على العلم الأميركي المرسوم على أرض مدخل الجامعة من قبل أنصار النظام.
وفي تحدّ واضح للانتشار الأمني الكثيف أمس، تجمّع المتظاهرون في جامعات طهران مطالبين برحيل كبار “رأس النظام”، وامتدّ السخط الشعبي إلى العديد من الجامعات في مدن أخرى، بما في ذلك أصفهان وبابلسار وساري. وعمّت الاحتجاجات عدداً من المدن الإيرانيّة، بينها سنندج، عاصمة إقليم كردستان، ومشهد وزنجان وأصفهان وبابل وسمنان وقزوين وغيرها، في حين هدّد “الحرس الثوري” على لسان ممثل المرشد الأعلى علي شيرازي، بفض الاحتجاجات بالقوّة في حال لم تتوقف، بينما طالب المعارض الإيراني مهدي كروبي، وهو أحد زعماء “الحركة الخضراء” ويقبع تحت الإقامة الجبريّة، خامنئي، بالتنحّي.
من ناحيته، حذّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران مجدّداً أمس من قمع المتظاهرين، في حين أكد وزير الدفاع مارك إسبر أن الرئيس لا يزال مستعداً لمحاورة طهران. وكتب ترامب في تغريدة باللغة الفارسيّة: “أقول لقادة إيران: لا تقتلوا متظاهريكم”، وذلك غداة تحذيره طهران من ارتكاب “مجزرة جديدة بحق المتظاهرين السلميين”. وأضاف: “آلاف الأشخاص قُتِلوا أو سُجنوا أصلاً من جانبكم”، منبّهاً إلى أن “العالم والأهمّ الولايات المتحدة تُراقبكم”. وكان لافتاً أن تغريدات الرئيس الجمهوري بالفارسيّة حصلت على تفاعل ومشاركة أكبر من تلك التي كتبها باللغة الإنكليزيّة على “تويتر”، خصوصاً وأن الكثير من الإيرانيين من حول العالم تفاعلوا ايجاباً مع تغريداته الداعمة لهم في وجه النظام.
في غضون ذلك، أحرق عناصر من “الباسيج” العلم البريطاني أمام سفارة المملكة المتحدة في طهران أمس، بعد توقيف السفير البريطاني روب ماكير السبت لاتهامه بالمشاركة في تظاهرة. وتجمّع نحو مئتي متظاهر أمام مقرّ البعثة الديبلوماسيّة البريطانيّة، هاتفين “الموت لبريطانيا”، في وقت نفى ماكير، الذي دانت لندن وواشنطن توقيفه السبت في إيران، مشاركته في أي تظاهرة ضدّ السلطات.
في الغضون، أطل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من بيروت أمس في ذكرى أسبوع مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، ليتحدث في خطاب بدا أشبه بمحاولة “رفع معنويات الإيرانيين” بعد انقضاء مفاعيل عملية قصف قاعدة “عين الأسد” الأميركية في العراق دون أي أثر يُذكر على الأميركيين لا بل وارتداد شظايا هذه العملية على الداخل الإيراني نفسه مع إسقاط النظام طائرة الركاب الأوكرانية وقتل كل من كان على متنها من الإيرانيين ومن الكنديين من أصول إيرانية. وفي هذا الإطار، آثر نصرالله التركيز في خطابه على مفردات شيطنة أميركا “العدو الأكبر” مقابل التغني بـ الإقدام و”الشجاعة” التي تتمتع بها القيادة الإيرانية لمجرد أنها تجرأت على قصف قاعدة أميركية، ولو أنّ هذا القصف لم يسفر عن إصابة أي جندي أميركي بفعل ما تسرّب عن إشعار مسبق بالضربة وجهته طهران إلى بغداد لكي يتولى العراقيون أنفسهم إعلام الأميركيين ويفسحوا بالمجال أمامهم إلى التنبّه وإخلاء القاعدة المستهدفة قبل قصفها.
أما ما استرعى الانتباه في خطاب نصرالله خارج إطار رفع المعنويات الإيرانية، فهو ما تمحور حول الرسالة المباشرة التي وجهها إلى السلطات الكردية في أربيل ووضع فيها الأكراد في خانة “ناكري الجميل” لسليماني الذي قال إنه هو من حماهم من تمدد “داعش” نحو أربيل. وعن مسببات توجيه هذا الرسالة، توافرت معطيات موثوقة لـ”نداء الوطن” أنّ ما دفع الأمين العام لـ”حزب الله” إلى تأنيب الأكراد هو ما تبلّغه خلال الساعات الأخيرة من أنّ رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي فشل في مسعاه بإقناع القيادة الكردية بالمشاركة في عملية إخراج الأميركيين من العراق، وعاد خالي الوفاض من زيارته أربيل بعدما سمع كلاماً كردياً واضحاً بأنهم غير معنيين بهذه العملية نظراً للأوضاع القائمة في العراق التي لا تزال تحتّم المؤازرة الأميركية في مواجهة الأخطار الإرهابية وغير الإرهابية المحدقة بالبلاد.