لا يستبعد النقاش حول خلفيات وتداعيات الضربات المتبادلة بين واشنطن وطهران في مطلع العام 2020، البعد الإنتخابي الأميركي، ما يعني أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يملك ترف الوقت، بل يملك مسرحاً زمنياً لا يتعدى الشهور الفاصلة عن موعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل. في المقابل، لا شيء يقيد طهران إلا تأثير العقوبات عليها وعلى كل حلفائها في المنطقة وربما يكون العراق من بينهم في المرحلة المقبلة.
كما شكلت عملية اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس بعيد وصولهم إلى مطار بغداد، مفاجأة وصدمة في آن، فان ما بات يعرف بالرد الإيراني على العملية عبر إطلاق زخات صاروخية على قاعدتي عين الأسد وأربيل العسكريتين الاميركيتين في العراق، والذي لم يؤد بحسب الجانب الاميركي إلى وقوع أي ضحايا، قد شكل صدمة ومفاجأة أيضًا، بإعتباره لا يتناسب وحجم الخسارة والضربة التي تعرضت لها إيران ومحورها الممتد من طهران إلى بيروت مروراً بالعراق وسوريا.
بعيد الرد الإيراني كان لافتا للإنتباه توصيف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي استهداف القاعدتين الاميركيتين بأنه صفعة قوية على وجه الولايات المتحدة، ولكنها غير كافية، داعيا إلى مواصلة العمل من اجل إخراج القوات الاميركية من العراق، وهو أثنى على القرار الذي تبناه البرلمان العراقي بضرورة انسحاب القوات الأجنبية، بما فيها القوات الأميركية، من العراق. هذه الخطوة العراقية بالدعوة للانسحاب تشكل الرد الإيراني السياسي المباشر والأكثر دلالة وتاثيرا، لما يشكله من تحول في الصراع الدائر بعد خطوة تجاوز الخطوط الحمراء التي قام بها الاميركي عبر اغتيال سليماني.
استراتيجية الرئيس الأميركي الانتخابية هي احد الأسباب وراء الاغتيال، ويبدو انها تعتمد على دراسات تتناول مزاج الناخب الاميركي ومدى تأثره مؤخراً بالسياسة الخارجية في الانتخابات الرئاسية المقبلة
في المقابل، فان الأصوات الاميركية التي فوجئت بخطوة الرئيس الاميركي دونالد ترامب بإعطاء الأمر باغتيال سليماني، وبرغم الكلام المكرر حول أحد أسباب قرار الاغتيال، ربطا بنقاشات عزله في الكونغرس الاميركي وكيفية انعكاسها على الحملة الانتخابية، ونتائج ذلك على الرأي العام ولو ان ذلك لن يؤدي إلى تطبيق العزل بسبب موقف مجلس الشيوخ الرافض، الا ان الخشية الترامبية تبقى تجاه الرأي العام ولا سيما لدى الناخبين المترددين.
خطوة ترامب التي نقلت المشهد من نقاش العزل إلى نقاشات الرد على الاغتيال، ونقاشات التغييرات في استراتيجية اميركية جديدة، اضافة إلى ترامب الذي لم نعرفه سابقًا، أي الرئيس الذي لا يريد الحرب، فان استراتيجية الرئيس الأميركي الانتخابية هي احد الأسباب وراء الاغتيال، ويبدو انها تعتمد على دراسات تتناول مزاج الناخب الاميركي ومدى تأثره مؤخراً بالسياسة الخارجية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد ان كان العامل الاقتصادي الداخلي هو الناخب الابرز للاميركيين، وقد حقق ترامب في الاقتصاد وفرص العمل إنجازا، يمكنه من اعادة انتخابه لدورة ثانية، فجاءت هذه الخطوة ليحجز من خلالها ترامب موقعًا متقدمًا في رؤساء اميركا الحربيين لتضاف إلى سجله الحافل بالصفقات.
مما لا شك فيه ان الصراع الاميركي الايراني في اعلى درجاته بعد اغتيال سليماني، ومما لا شك فيه ان التصعيد لن يستمر إلى ما لا نهاية في ظل مصلحة الطرفين بعدم الدخول في حرب، الا انه بين صفعة خامنئي وصفقة ترامب، لا بد من وجود خط يجمع الطرفين ولو بعد حين.