كتب منير الربيع في صحيفة “المدن” تحت عنوان “فضيحة لبنان في الأمم المتحدة: انتهت صلاحية العهد والنظام”: “تهاوت آخر ادعاءات العصرنة والحداثة اللبنانية: العلاقة العضوية التي تربط لبنان بالأمم المتحدة. فمن أبرز مفاخر الدبلوماسية اللبنانية التاريخية، أن هذا البلد الصغير كان شريكاً في تأسيس الأمم المتحدة، ومن الدول الأولى الموقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، طالما أن أحد أبنائه (شارل مالك) كان من المساهمين في صياغته. اليوم، خسر لبنان تلك المفخرة على نحو معيب. وكأن ما كتب على البلد الصغير، هو أن تنهار كل منظومته بكليتها دفعة واحدة. انتهت الفرادة اللبنانية المتمايزة عن دول المنطقة. تغلّبت الرجعية على الحداثة. لم يعد لبنان يثير غيرة الدول المجاورة. وهو، بالحدّ الأدنى، غير قادر على التشبّه بها، على الرغم من جحيمها. لبنان اليوم، يعادل الصومال.. حيث لا دولة. مجرد مجموعات تتناحر وتتقاتل فيما بينها. الإرث القديم الذي تفوّق فيه اللبنانيون على غيرهم من شعوب المنطقة تبدد.
الموقف السعودي بشأن لبنان: دلالات واضحة ورسالة غير مباشرة
حكومة اللون الواحد لن تفتح باب الدعم المالي للبنان
حديثو النعمة السياسية
نشرُ الغسيل بين وزارتي الخارجية والمالية على خلفية فقدان لبنان لصوته في الأمم المتحدة، بسبب عدم دفع المساهمة المتوجبة عليه، من أبرز الدلائل على سقوط ما يسمى الدولة في لبنان أو المؤسسات. صراع بين وزيرين أو وزارتين. وكأن واحدة منهما تابعة لجماعة مختلفة عن الأخرى، من أوضح الإشارات على صوملة لبنان، والصورة الأبهى على انتهاء “النموذج” بكل صيغته وتركيبته المعروفة، لصالح الذوبان في نظريات قبلية تقوم على العماء الطائفي والمذهبي. وربما يبدو المشهد أسوأ وأحقر مع بعض حديثي النعمة السياسية الذين يعتمدون ألعاباً بهلوانية في محافل دولية، غير آبهين بسمعة لبنان وموقعه أو دوره أو صورته. لأنهم يهتمون فقط بالشعبوية الخاوية، وسياستها المعروفة بإلقاء التهم على الآخرين أو قذف المسؤوليات باتجاه خصومهم.. تماما كحال السجال الذي اندلع على خلفية عدم تسديد المستحقات ونشر وزارة الخارجية وثيقة المطالبة بالتسديد، لتحميل المسؤولية لوزارة المال، فتبين أنها قديمة.
الهشاشة والجشع والسقوط
لم يعد سقوط النموذج اللبناني ينحصر في صورته الخارجية وعلاقاته مع الدول. حتى البنية الداخلية التي تترهل منذ سنوات وصلت إلى القاع العميق. وقد فجّرت ثورة 17 تشرين كل مكامن الخلل والهشاشة في بنية التركيبة، حتى أصابت أبناء التحالف الواحد في مقتل التقاتل على التحاصص والتقاسم للمغانم في تشكيل حكومتهم. وهي التي أصبحت معروفة بأنها حكومة اللون الواحد. فوصلت الهشاشة إلى حدّ عدم التوافق بين الحلفاء على حكومتهم. وعلى هذا المنوال، تتمادى حالات الجشع السياسي، في أزمنة السقوط. فلا يجد أي طرف ملجأه إلا بما يحققه لنفسه دون شركائه، كمن يريد وضع الخيمة فوق رأسه وحده.
قام لبنان على النموذج الغربي في المنطقة العربية. شعبه يتمتع بالحرية السياسية والاقتصادية، ويؤمن بحقوق الإنسان. هذه كلها أصبحت من الهباء المتناثر. وبدل حقوق الإنسان والديموقراطية ودولة القانون حلّت العنصرية والطائفية والمذهبية، وهيمنت على “ثقافة” البلاد والعباد، إلى حد أن النظام فقد قيمته وصلاحياته وقدرته على الاستمرار، وسط انعدام أي أفق للجم الانهيار، أو الحدّ مما يحيطه من تدهور اقتصادي مالي.
ثلاثة احتمالات
يدفع الشعب اللبناني حالياً ثمن أزمات متتالية، مستمرة كنتاجات الحرب الأهلية، وكفشل لكل السياسات المتعاقبة منذ التسعينيات. وها هو اليوم يُنحر في مدخراته ولقمة عيشه. وفي الأصل، كانت ميزتا لبنان الحديث الدستور والنظام المصرفي. هذه الثنائية التي قام عليها لبنان انهارت اليوم. فالنظام الديمقراطي تحلل لصالح نظام أوتوقراطي مغلف بما يسمى الديموقراطية التوافقية. وهي عبارة عن إلزامية سياسية يفرضها الطرف الأقوى، جسدّه حزب الله منذ العام 2006 إلى اليوم. بينما النظام المصرفي انهار. ومن غير المعلوم أي وجهة سيسلكها. لكن الأكيد أن لبنان لن يقوم بسهولة ومن دون عملية جراحية مستعصية. وهذا يفرض ثلاثة احتمالات لا بديل منها: أن تستمر القوى السياسية بقمع الثورة الشعبية والرهان على منطق القوة وأمر الواقع، لتفرض نفسها مجدداً بناء على معطيات خارجية عنوانها الاستقرار. فتتمكن من استعادة دورها. وفي هذا الاحتمال ستكون النتيجة التسليم بوصاية حزب الله على البلد لتكريس هذه الأوتوقراطية. وقد يرتضيها المجتمع الدولي باسم الاستقرار. أو الاحتمال الثاني، تسليم هذه القوى بما اقترفته وتسببت به، والموافقة على تشكيل حكومة مغايرة لكل الطروحات التي جرى تقديمها، لصالح حكومة تحظى بوصاية ورعاية دولية، على غرار سياسة صندوق النقد والبنك الدوليين. أما الاحتمال الثالث، فهو أن يستعيد الشباب اللبناني زخم انتفاضته في الثورة لإعادة فرض قواعد جديدة، يتمكن من خلالها إنتزاع حقوقه بيده، وعدم ترك فرصة للقوى التي أدت إلى انهيار لبنان لتستعيد قوتها مجدداً. وهذا يفترض الاستعداد لصراع طويل على غرار تجارب كثيرة.. قد لا يخلو من العنف أو الفوضى المديدة”.