حدد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله قواعد مرحلة ما بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني: كل القواعد العسكرية في المنطقة صارت في مرمى هذا المحور. لم يحيّد لبنان ولم يضّمه رسمياً إلى ساحات المواجهة المباشرة والمفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران. “مفتاح” الرسائل التهديدية يكمن في توصيف القاعدة العسكرية وكيف ينطبق هذا التوصيف على الوجود الأميركي في لبنان.
غير ذلك، يغرق لبنان في مستنقع أزمته المالية ومندرجاتها الاقتصادية والاجتماعية، وفي متاهة المشاورات الجارية للخروج من مأزق التأليف بأقل الخسائر الممكنة. ولكن سرعان ما انضم التوتر الاقليمي الأخطر منذ سنوات، إلى الأثقال المرماة على كتفيّ رئيس الحكومة المكلف حسّان دياب على طريق التأليف.
يسير الرجل في حقل ألغام، قد يعرّضه في أي لحظة لتفجير قد يخرجه من نادي رؤساء الحكومات، قبل أن يدخله بشكل رسمي وجديّ. ولذا يحاذر الإقدام على أي خطوة قبل التأكد من مفاعيلها وتداعياتها. ولذا تراه، ولو كان مستعجلاً لتقديم تشكيلته إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، يتعمق في درس كل اسم يدرج على قائمة الترشيحات لدخول حكومته.
ولكن، على صعوبة النقاشات التي يجريها رئيس الحكومة المكلف قبل وضع اللمسات الأخيرة على سلّة أسمائه، ثمة اختبار أكثر شراسة وخطورة يواجه مشاورات التأليف، ويرتبط بردة فعل “حزب الله” تجاه العاصفة الاقليمية ومدى رغبته في اسقاط هذه التحديات على تركيبة الحكومة وطبيعتها، ليزيد من “دسمها” السياسي وقدرتها على مواجهة التطورات الآتية من خلف الإقليم.
وفق المواكبين لعملية التأليف، فإنّ “حزب الله” بات أكثر تمسّكاً في اخراج الحكومة من عنق الأخذ والرد، وأكثر استعجالاً لكي ترى النور وتبدأ ورشتها الاقتصادية. ولذا يميلون إلى الاعتقاد أنّ ارتدادات “زلزال” مقتل سليماني قد لا تؤخر مشاورات التأليف، لا بل قد تزيدها سرعة وفعالية لكي لا تعلق في خانة الخلافات بين أبناء الصفّ الواحد.
يقول هؤلاء إنّ الانهيار المالي الحاصل، والذي لا يزال غير معلن، يجعل من الملف الاقتصادي – الاجتماعي أولوية مطلقة، حتى على جدول أعمال “حزب الله” الذي يدرك صعوبة الوضع وحساسيته. وهو يعرف أنّ أي انزلاقة أمنية من شأنها أن تحمل البلاد إلى حالة الفوضى الشاملة.
في هذه الأثناء، يبدي رئيس الحكومة المكلف مزيداً من التصلّب في مشاوراته مع شركائه الحكوميين، كما يؤكد المطلعون على موقفه. يكفي أن يذكّره الحراك الشعبي أنّه ينتظره في الشارع لكي يعيد اشعال ساحات الاعتراض، لذا يرفض ابداء الليونة في مفاوضاته على الأسماء المقترحة لدخول حكومته متمسّكاً بكل “حرف صلاحية” منحه اياه الدستور، ولا يتعامل مع الترشيحات المقترحة من جانب القوى السياسية على انّها “مُنزلة” لا بل يطالب بسلّة أسماء لكي يختار منها ما يناسب حكومته، والمعايير التي وضعها.
مقابلات مع المرشحين عبر سكايب
وقد تكون المرة الأولى في تاريخ رؤساء الحكومات، التي يحدد فيها رئيس حكومة معايير واضحة لـ”الاستيزار”: الاختصاص، غير الحزبيين وغير المرتبطين بأي مرجعية حزبية أو سياسية. لكنها على الأكيد، المرة الأولى التي يقوم بها رئيس حكومة مكلف بـ”مقابلات” شفهية مع مرشحين لتولي أي وزارة. فعلها دياب، واستعان أحياناً بالسكايب ليجري مقابلات عابرة للمحيطات، ليختار من سيرافقه في “مهمته المستحيلة”.
يتأنى دياب كثيراً في حسم الاسم الذي سيخلف الوزيرة ريا الحسن في مبنى الصنائع، خصوصاً أنّ من سيجلس على كرسيها سيكون عليه التعامل مع المحتجين على الحكومة، وهؤلاء قد لا يقتنعون بالحكومة وبتركيبتها وقد ينزلون بكثافة إلى الشارع فور صدور مراسيم التأليف. ولذا لا يزال في مرحلة جوجلة الأسماء.
كذلك يولي عناية خاصة لمن سيخلف جبران باسيل في وزارة الخارجية خصوصاً أنه سيكون واجهة لبنان الرسمي، ولذا تراه لا يستسلم أمام الكباش القائم مع رئيس “التيار الوطني الحر” للاتفاق على الاسم المقترح خصوصاً وأنّ دياب يطالب برئيس للديبلوماسية اللبنانية يكون موضع ثقة بالنسبة له. ولذا يصرّ على تسمية دميانوس قطّار وزيراً للخارجية فيما يتمسك باسيل بالمقابل بفيتو ممانع لجلوس قطّار على كرسي قصر بسترس، خصوصاً وأنّ الرجل من فئة الموارنة المتداولة أسماؤهم لرئاسة الجمهورية. ولذا يقف باسيل حاجزاً ممانعاً أمام عودته إلى الواجهة في هذه اللحظات وتحديداً من بوابة الخارجية التي تتيح له مجالسة كبار الديبلوماسيين في العالم.
على هذا الأساس، لا تزال المفاوضات بين دياب وباسيل عالقة في مكانها، ولم تنفع محاولات العاملين على خطّ التواصل، في إقناع رئيس الحكومة المكلف ورئيس “التيار الوطني الحر” في الاتفاق على اسم مشترك، مع أنّ هناك سلة من الأسماء قد تفي بالغرض وقد تشكل خطّ التقاء بينهما. ويذهب بعض عارفي رئيس الحكومة إلى حدّ الإشارة إلى أنّ دياب قد يقدم تشكيلته إلى رئيس الجمهورية خلال الأيام المقبلة بعد الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة، كحسم الداخلية والطاقة، على أن يكون قطّار في عديدها لوزارة الخارجية، لتكون الكلمة الأخيرة للرئيس عون من دون سواه.